وصف الكتاب:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونصلي ونسلم على رسوله الأمين سيدنا (محمد) الرحمة المهداة والنعمة المسداة للبشرية جمعاء، وعلى آله الطيبين وصحبه أجمعين. الجريمة أولاً وقبل كل شيء حقيقة بشرية، والرغم من التقدم الحضاري الذي وصلت إليه البشرية، فالظاهرة الإجرامية ستبقى ما بقي الإنسان، وسيبقى عاجزاً عن القضاء عليها كلياً، وان طبيعة الحياة تقتضي ان تتطور القوانين بشكل مستمر لتطور الحياة وتغيرها وحتى تكون قادرة على حل ما يستجد من اشكالات ومعاضل، لان القانون مرآة للمجتمع وانعكاس مباشر لاحتياجاته وتطلعاته ومتطلباته، والا فأنها سوف تتصف بالقصور، فقد مضى اليوم أكثر من قرنين من الزمان على ظهور قانون العقوبات بشكله الحالي القائم على المواد، واستناد التجريم والعقاب على النصوص، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل أدى هذا القانون المهمة التي وضع من اجلها، وهي مكافحة الاجرام؟، وهل هناك بدائل أخرى لهذا القانون خاصة في الشق العقابي منه؟ اذ ان التقدم في مكافحة الجريمة لم يراوح مكانه بعد، حيث استفاد المجرمون أكثر من رجال القانون من معطيات ومنجزات التقدم العلمي والتقنية المعاصرة، مع ما تحقق من اكتشافات واختراعات، استعملها المجرمون، سواء لجهة طرق ارتكاب جرائمهم، او سواء للعمل على إزالة اثارها، فيعمدون الى سلوك الطريق الأكثر نفعا لهم، والاقل خطرا عليهم، ويتعمدون مسايرة القانون، كما يساير البحار مجرى الأمواج والرياح، فيتكيف المجرمون مع القانون. ويقصد بالقصور في التشريع، عدم ملائمة النص القانوني للحياة الاجتماعية والسياسية السائدة في المجتمع وقت تطبيقه. بمعنى اخر عدم تضمن النص القانوني لما تقوم الحاجة اليه من احكام تفصيلية او جزئية في ظل تغيرات جوهرية شهدها المجتمع. ويعبر تحقق القصور في التشريع عن تطور المجتمع تطوراً جوهرياً وعدم قدرة النصوص القانونية التي وضعت في زمن سابق على مواكبة هذا التطور. وتشريع القوانين علم من العلوم القانونية المتميزة، وكل نص قانوني تقف خلفه نظرية كبرى من نظريات القانون التي استقرت بعد ان تبنتها التشريعات الحديثة، وهذه النظرية تعد نظاماً متكاملاً يتضمن سلسلة من المبادئ المتوافقة فيما بينها ويجب الحذر عند اجراء أي تحوير فيها لان ذلك قد يؤدي الى انهيار التناسق والتناغم فيما بين النصوص التي تحكم واقعة معينة ومستمدة من نظرية واحدة. وان مراجعة القانون الجنائي تعد من الأوليات وانه من اللازم دراسة التعديلات والاضافات التي يجب ان تدخل عليه حتى يتلاءم مع مقتضيات المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان. وتهتم هذه الدراسة ببيان مفهوم المال العام ونظم حمايته، وذلك من خلال تناول الحماية المقررة للمال العام وهي حماية اشد من تلك الحماية المقررة لأموال الأفراد الخاصة، لأن المال العام هو وسيلة الإدارة في إشباع الحاجات العامة وتقديم الخدمات، فالمجني عليه في جرائم الاعتداء على المال العام هي الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة، ولم يخضعها للنماذج القانونية العامة، وذلك من اجل فرض حماية متكاملة للمال العام. اذ تقسم أموال الدولة العامة إلى نوعين، فمنها ما يكون مخصصاً للنفع العام وهي الأموال المملوكة للدولة أو للأشخاص المعنوية العامة التي تخصص للمنفعة العامة بالفعل أو بمقتضى قانون ويطلق عليها تسمية (الدومين العام)، ومنها ما يكون مملوكاً للدولة أو للأشخاص المعنوية العامة بغرض استغلالها واستثمارها لأنماء موارد الدولة ويطلق عليها تسمية (الدومين الخاص). وتخضع أموال الدولة لنظام حماية أكثر شدة من النظام الذي تخضع له أموال الأفراد الخاصة، إذ يقوم معيار تمييز أموال الدولة عن أموال الأفراد على معيار ملكية الدولة أو الأشخاص المعنوية العامة لهذه الأموال، ويمكن أن نميز - من حيث الأصل - بين نظامين متدرجين فيما يتعلق بتطبيق أحكام الحماية المدنية على أموال الدولة ، أولهما أكثر شدة تخضع له أموال الدولة العامة فلا يجوز التصرف بها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم ، وثانيهما أقل شدة تخضع له أموال الدولة الخاصة ، ومناط تمييز أموال الدولة العامة من أموالها الخاصة يقوم على تخصيص هذه الأموال للمنفعة العامة. قد تباينت نظرة التشريعات إلى الأموال العامة بحسب المبادئ التي تسودها، واختلفت نظرة التشريع الواحد في مراحل تاريخية مختلفة لهذه النظرية، إذ تعد نظرية الأموال العامة من أكثر النظريات القانونية تأثراً بالاعتبارات السياسية ، وخير دليل على ذلك ، تاريخ القانون الفرنسي ، فقد كيف حق الملك على إنه حق ملكية لكنه منع من التصرف بها حرصاً على وحدة أموال دومين التاج ، ومن ثم نادى بعض الفقهاء بأن هذا الحق ليس إلا ولاية حفظ وإشراف من أجل تقييد سلطة الملوك المطلقة ومنعهم من التصرف بهذه الأموال ، وحرصاً على انتفاع الجمهور بهذه الأموال ، وبعد قيام الثورة الفرنسية ، وظهور مبدأ سيادة الأمة محل مبدأ سيادة الملك ، ظهرت الدعوة للعودة إلى فكرة ملكية الدولة للأموال العامة ، ورفض أي شرط أو قيد على هذا الحق ، فالنظر إلى الأموال في هذه المراحل المختلفة كان يجري بمنظار سياسي ، فقد كانت الأموال العامة تساير التغيير في النظم السياسية. وتكمن مشكلة الدراسة في إيجاد الأجوبة المناسبة للتساؤلات التي تثار في موضوع بحثنا، وأهمها، ما مفهوم المال العام، وما عناصره؟ وما معيار تمييز أموال الدولة العامة من أموالها الخاصة؟ وما طبيعة حق الدولة والأشخاص المعنوية العامة على الأموال العامة؟