وصف الكتاب:
الواقع إنَّ فكرة التوقع المشروع تهدف إلى استقرار المراكز القانونية للأفراد، وحماية حقوقهم المكتسبة، لأنَّ الفكرة تعد من أهم الأُسس التي يقوم عليها بناء الدولة القانونية. كما تعني فكرة التوقع المشروع، التزام السلطات العامة بتحقيق الاستقرار والطمأنينة جرّاء التصرفات التي تقوم بها الدولة، وخلاف ذلك من شأنه أنْ يؤدي إلى زعزعة هذه الطمأنينة أو العصف بهذا الاستقرار. فإنَّ فكرة التوقع المشروع تقوم على جودة ومعيارية القانون، ومدى استقراره، لذلك تقوم الأنظمة الدستورية بتوفير آليات سياسية وقانونية لضمان معيارية القانون وسلامته قبل صدوره، سواء عن طريق اللجان أو من خلال عرضه على جهات مختصة؛ لأنَّ سلامة القانون قبل صدوره يعد ضمانًا لفكرة التوقع المشروع، وهذا الأمر من شأنه ضمان حقوق الأفراد والدولة أيضًا، إذ لا يمكن للفرد الحصول على حقوقه المشروعة إلا في ظل منظومة قانونية ثابتة ومستقرة في جميع المجالات، فوجود نوع من الثبات في العلاقات القانونية، يبعث على استقرار المراكز القانونية، ويعمل على إشاعة السكينة والطمأنينة. لذلك أصبح مفهوم فكرة التوقع المشروع في صلب الاهتمام وتركزت حول هذه الفكرة مجموعة من المفاهيم التي تفرعت عنه كالأمن القانوني، واستقرار المعاملات، فالثقة المشروعة ملازمة لمبدأ الأمن القانوني، وهناك من يرى أنها صورة من صوره، وبمقتضاها يلتزم المشرع بعدم مفاجئة أو مباغتة الأفراد أو هدم توقعاتهم المشروعة، ففكرة الثقة المشروعة جزء من مبدأ الأمن القانوني، الذي بدوره يكوِّن فكرة دولة القانون. فإنَّ هذه المفاهيم من شأنها أنْ تؤدي إلى الاستقرار. كما أصبح التوقع المشروع ضرورة في دولة القانون، اعتبارًا لكون القاعدة القانونية يجب أنْ تقوم عليه؛ لأنَّ مدلول التوقع المشروع هو غاية القانون، وقيمة معيارية، وظيفته تأمين النظام القانوني من الاختلافات والعيوب التشريعية الشكلية والموضوعية للنصوص. كل هذا استدعى مختلف التشريعات إلى سن نصوص تتسم بالوضوح في قواعدها، وأنْ تكون واضحة في عباراتها وغير غامضة، وهو ما يتطلب تفادي إصدار تشريعات مضطربة بعد ملاحظة تنامي وشيوع حالة عدم الأمن القانوني. لذلك أصبحت الحاجة إلى الثقة المشروعة للمحافظة على استقرار المراكز القانونية ودعم الثقة في العلاقات القانونية، بما يحول دون اهتزاز صورة القانون في أعين المخاطبين به، وحتى تتحقق الثقة المشروعة في مجتمع معين، لابد من أنْ تكون السيادة للقانون، أي أنْ يخضع الأفراد والسلطات العامة مهما بلغ دورها في وضعه وإقراره وإصداره للقانون، وأنْ تتم كل تصرفاتهم الإيجابية والسلبية ضمن دائرة وحدود النظام والبناء القانوني للدولة. تبعًا لذلك، سوف نتناول موضوعات أساسية، سيتعلق الأول بالتعريف بفكرة التوقع المشروع، والثاني سيخصص لمعوقات تطبيق فكرة التوقع المشروع، أما الثالث سيتناول ضمانات تطبيق فكرة التوقع المشروع، والموضوع الرابع سينصرف إلى بيان أهم تطبيقات القضاء لفكرة التوقع المشروع.