وصف الكتاب:
سبق لدار الفكر أن أصدرت ست حلقات من سلسلة (حواس حروف) للأديب العماني عبد الحميد الطائي، استمتع القراء بها لما انطوت عليه من غوصٍ في بحار اللغة العربية، بحثاً عن لآلئها التي تميزت بها، ومن حفرٍ حولها، بحثاً عن جذورها التي أمدتها بالقدرة على التوليد والتجديد مع الاحتفاظ بأصالتها وعراقتها، ومن استنطاقٍ لحروفها؛ جعل منها كائناً حياً له حواس؛ تتلمس، وتتذوق، وتسمع، وترى، وتستطلع المستقبل زماناً، وما وراء الآفاق مكاناً!! غير أنه في هذه الحلقة؛ يوظف الحروف وحواسها للكشف عن الأمراض التي انتابت الأمة، في قيمها ومبادئها، فأفسدت أخلاقها، وأضعفت لغتها، وأقعدتها عن أداء الرسالة التي عهد الله إليها القيام بها، وعن الدور الحضاري الريادي الذي اضطلعت به تلبية لنداء (اقرأ)، فشغلت به جزءاً كبيراً من العالم القديم، كانت فيه دمشق وبغداد والأندلس مراكز إشعاع كبرى؛ غطت من التاريخ الإنساني ما يسمى بالعصر الوسيط، سطعت فيه أسماء علماء مسلمين كبار: كابن سينا، وابن رشد، والفارابي، وسيبويه، والخليل بن أحمد!! نقب الطائي في هذا الكتاب بحواس حروفه عن المشكلات الحضارية للأمة كما ينقَّب عن النفط والغاز، ولوَّنها بألوانه الفسيفسائية الطائية الفريدة، دافعاً قراءه للبحث عن أسباب الوقوع فيها، وسبل الخروج منها!! ودار الفكر إذ تضع هذه المشكلات في موقعها من الدورات الحضارية التي تمر الأمم بها، والتي أماط الستار عنها ابن خلدون، وطورها مالك بن نبي في خط بياني يبدأ أقرب ما يكون إلى الشاقولي في مرحلة الصعود، ثم يميل تدريجياً ليصبح مستقيماً في مرحلة الاستواء، ثم يهبط في خط مائل في مرحلة الهبوط، لتخرج الأمة في نهايته من دورتها، تتمرغ في حضيض التخلف، إلى أن تتمكن من استئناف دورة حضارية جديدة، يرى مالك بن نبي أنها الأصعب، إذ يشبهها بشلال الماء؛ يهبط من الأعلى نقياً بكامل طاقته، التي يفقدها تدريجاً لما يواجه في طريقه من عقبات، كما يفقد نقاءه لما يحمله في طريقه من شوائب. فهو يحتاج لاستئناف دورته إلى عملية تبخير تعيده إلى الأعلى، وعملية تقطير تضعه نقياً على رأس الشلال من جديد!! وفي مسار النهضة العربية والإسلامية إلى استئناف دورة حضارية جديدة بعد انسحاب حضاري طال أمده، نجد أن محاولاتها التي بدأتها أواسط القرن التاسع عشر، تم إجهاضها أواسط القرن العشرين، في مواجهة المشروع الصهيوني المدعوم من قوى الاستعمار الغربي، ومخططاته لاقتسام تركة الرجل المريض!! وإذ نرى أن الفرصة باتت سانحة؛ في عصر المعرفة الراهن، الذي جاء مصحوباً بثورة اتصال مذهلة، والذي طوى بأدواته الفكرية عصر الصناعة الذي قادته الحضارة الغربية بجدارة خلال القرون الماضية. وأن هذه الحضارة التي تشرف على السقوط، لم تعد مؤهلة لقيادة العصر الجديد، لتشبثها بموروثها الثقافي القائم على تقديس الذات، ونفي الآخر، واستعماره، وتطوير أسلحة الدمار الشامل، والاستئثار بحق الفيتو لتعطيل العدالة الدولية!! وحده الإنسان المسلم، بقيمه الإسلامية المطلقة؛ المؤهل لقيادة العصر الجديد. والعشق فياض وأمة أحمد يتأهب التاريخ لاستقبالها وننتظر من حواس الحروف، أن تمدنا بالطاقة الحيوية التي تنقينا من أدراننا وكلالتنا، وتضعنا على رأس الشلال من جديد.