وصف الكتاب:
لأن اللغة في حقيقتها ليست إلا رموزًا لصور ومفاهيم مُعيّنة، فإننا نجد والحالة هذه، أن الأندلسيين قد استخدموا الرمز للدلالة على مقدرتهم اللغوية وعلى غزير المعنى الذي يريدونه أو يرمون إليه... فقد استخدموه في حياتهم كما استخدموه في إبداعاتهم، وفي كل شيء يخصّ فكرهم، وهو استخدام لم يغلب عليه التكلّف بقدر ما هو للوضوح أقرب من أي شيء آخر، ذلك لأن اللغة المعبّرة والواضحة أصحبت جزءًا من ذواتهم، وهي ذات كما يقول صاحب النفح، تُعبّر عن بلاغةٍ باهرة الإياة، ظاهرة الآيات، كما تُعبّر عن تصرّف في فنون الإجادة... إن (الرمز) الذي تحدّثنا عنه يُثبت لنا أننا أمام أمّة بارعة في اللغة وفي الأداء، مُدركة لما للغتها من قيمة حيوية وفكرية، فالتزمت بها عبر الأزمنة، مثبتةً إياها عبر مؤلفات امتلأت بها رفوف المكتبات فبقيت شاهدة لهم لا عليهم... من جهة ثانية، كانت مارتا نوسبوم متخصصة في الأدب التراجيدي وفي الفلسفة اليونانية؛ وهو ما أهّلها إلى الخروج عن المنظور الكانطي السائد في معالجة الأخلاق والسياسة. فنحن لم نعد نتوفر على مبادئ متعالية ولا على مقدمات ضرورية وعقلية تساهم في تقويم السُّلوك وتهذيب الأخلاق والتحكم في الانفعالات والعواطف الجيّاشة. غالبًا ما تجري الرياحُ بما لا تشتهي السُّفُنُ في حياة الإنسان، وغالبًا ما نضطرُّ إلى اتخاذ قرارات صعبة لمواجهة إحراجات الوضع الإنساني. لكنَّ نوسبوم تدعونا إلى التعامل بإيجابية مع هشاشتنا التي ترتبط بأجسادنا الفانية وبحاجتنا إلى الصداقة والحُب. وهي تعتبر أنّ قرارات الحكمة العملية لا تؤدي لزومًا إلى اتخاذ مواقف واضحة ونهائية، بما أنها غامضة في طبيعتها وغير محدَّدة المعالم. لذلك انتقدت نظرية المعرفة الأفلاطونية واستثمرت متون المدرستين الأرسطية والرواقية لمعالجة قضايا الحق والخير والقانون، وفتحت بذلك المجال أمام دراسة حقوق الإنسان على نحوٍ غير مسبوق.