وصف الكتاب:
حرص الباحث المتخصص في الشؤون الإسلامية هشام النجار في كتابه "كيف تحاور متطرفا وكيف تقي أبناءك من التطرف" على معاكسة صنيع سيد قطب عندما استفاد من أطروحات أبوالأعلى المودودي بغرض تمصير أفكار تكفير المجتمعات والأنظمة والخروج عليها بالقوة المسلحة، حيث عرض بكتابه للعديد من القضايا والإشكاليات الفكرية لأطروحات من عارض أبوالأعلى المودودي ونقد أفكاره بعمق ورصانة ومصداقية من معاصريه من المفكرين الهنود الكبار مثل المفكر وحيد الدين خان الذي كانت له إسهامات مهمة في الرد على أفكار المودودي. ولفت إلى أنه "إذا كان سيد قطب قد ولى نظره إلى الهند مستدعيًا القراءة الأحادية والتفسير السلطوي التكفيري للإسلام، فقد استدعينا نحن من نفس الساحة هناك الرؤى الأكثر تماسكًا وموثوقية وانسجامًا مع تعاليم الإسلام وسماحته ورحمته وشموله، لتدعم أطروحاتنا الفكرية المتعلقة بمسعى تشكيل إطار فكري متماسك مناهض لمناهج التكفير والعنف". قسم النجار كتاب الصادر عن دار سما إلى ثلاثة محاور الأول تربوي، والثاني فكري، والثالث سياسي، وأظنه أول معالجة تستوعب هذه الأبعاد الثلاثة لمكافحة الفكر المتطرف سواء مغذياته التربوية أو أصوله الفكرية بجانب مزاعمه ورواياته السياسية المخادعة. وقال "كنت ولازالت على يقين بأن الشخص لا يتحول إلى متطرف فجأة بين عشية وضحاها، إنما هناك أنماط وسلوكيات تربوية نشأ عليها منذ صغره سواء في البيت أو المدرسة تكبر فيه يومًا بعد يوم إلى أن تتلاقى مع التأثير الخارجي، ويتعرض في شبابه أو مراهقته لمحاولة استقطابه وتجنيده لجماعة سلفية أو اخوانية أو جهادية.. إلخ، عندها سيكون مهيئًا للانضمام لجماعة سرية تكفيرية. لذلك تتبعت الكثير من هذه السلوكيات في الجزء الأول منها مثلا تعويد الطفل داخل نطاق الأسرة على السرية والكتمان، وتقديس الرموز داخل العائلة وعدم احترام التخصص وعدم احترام النقاش والحوار والعقلانية، وعدم استخدام المنطق وشيوع التلقي الأحادي من أعلى، إلى آخر تلك السلوكيات التي قد لا ينتبه أحدنا لخطورتها، والتي تعزّز قابلية الفرد على المدى البعيد للانجذاب إلى مثيلاتها داخل الجماعات المتطرفة المغلقة عندما يكبر". وأضاف: طرحت في المقابل القيم التربوية التي ينبغي أن تطبق في الأسرة والمجتمع كأساس لبناء أفراد محصنين على المدى البعيد من التماهي مع الفكر التكفيري، وقادرين على صده ساعة التعرض لمؤثراته تلقائيًا وذاتيًا. كمثال سريع تحرص الجماعات المتطرفة على التنفير لدى الشباب المستهدف بالتجنيد من القيادات الوطنية مثل عبدالناصر والسادات وبورقيبة والملك حسين وعرفات وغيرهم، فضلا عن بث الكراهية ضد رموز الفكر والثقافة وقادة الجيوش، لأن خطة تلك الجماعات هي طرح البديل، ولن يكون قادتها هم الرموز المقدسين إلا بتحقير وتخوين القادة على الساحة العربية، لذلك طرحت منهجًا تربويًا ينبغي أن يتبعه رب كل أسرة مع أبنائه وهو التربية على إنصاف الشخصيات وفق نظرية النسبية الزمانية. بمعنى لا ينبغي الحكم على الرمز خارج سياق ظروف مرحلته وعصره، حتى لا ينشأ الأولاد على الاستخفاف بالشخصيات واستسهال إطلاق أحكام عليهم دون ضوابط. وأوضح النجار أنه كنموذج وبصرف النظر عن الآراء المختلفة بين مؤيد ومعارض بشأن حسني مبارك، لكن الحكم عليه سيختلف تمامًا بمقارنته بعهد حكم الإخواني محمد مرسي، هناك إيجابيات كثيرة ستظهر، فإذا كان مرسي والإخوان قد ذهبوا بعيدًا في الرضوخ للغرب وتقديم تنازلات في ملفات حساسة تمس الأمن القومي العربي للغربيين وإسرائيل نظير دعمهم في السلطة فإن مبارك كانت لديه خطوط حمراء من هذه الزاوية لا ينبغي التفاوض بشأنها، وإذا كان مرسي والإخوان أخلُّوا بالعلاقة التاريخية بين مصر والخليج مقابل التحالف مع إيران وتركيا، فإن مبارك حافظ على ثوابت العلاقات المصرية العربية ولم يقبل بإحداث تحولات من شأنها تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط لصالح القوى الإقليمية غير العربية، وإذا كان مرسي والإخوان قد قبلوا الدخول في صفقات على حساب تصفية القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل، فإن مبارك حافظ على الثوابت الفلسطينية والعربية ولم يقبل أي تفاوض عليها.. إلخ. الجزء الثاني من الكتاب عبارة عن حوار فكري مع متطرف وبه ردود منهجية معمقة على كل ما يروجه منظرو الجماعات المتطرفة والتكفيرية في ملفات الخلافة والحاكمية والجاهلية والجهاد، والعلاقة مع الآخر المختلف في العقيدة. ففي ملف الخلافة توصل النجار إلى "أن صفة الرشد للخلافة وهي فترة الثلاثين عامًا التي أخبر عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - تنصب في الأساس على رشادة شخص الخليفة ومستويات عدله وتفانيه ومصداقيته، لكن في العصور المتأخرة وفى العصر الحديث إذا لم يتوفر هذا الشخص صاحب التقوى والورع والذي يثق فيه الناس من تلك الناحية ليستأمنوه ويفوضوه في الحكم ويسلموه كل السلطات دون خوف من أن يستغلها اعتمادا على خوفه من الله. إذا لم نجده ولن نجده بسبب تغير الأحوال ولعدم وجود أشخاص موثوق في ورعهم وتقواهم كما كان الحال بشأن جيل الصحابة الأول فنحن قادرون على تأسيس نموذج لحكم (رشيد) عصري بأسلوب ونمط مختلف استنادًا إلى (الحرية السياسية)، وهذا يتيح للشعب من خلال مؤسسات الدولة الرقابية والقضائية والتشريعية رقابة الحاكم ومحاسبته من خلال ما عرف بالفصل بين السلطات. وقال: بين "خلافة راشدة" من الصعب والنادر تكرارها حيث الاعتماد على رجل يحكم الرعية ويرعاها خوفًا من الله وحرصًا على مرضاته، وبين حكم رشيد من الممكن تحقيقه واقعيًا من خلال الرقابة الدنيوية بالفصل بين السلطات وتفعيل الحريات السياسية. وبما أن أول أهداف الأمة تحقيق العدل بالأدوات التي توفرت لديهم، فعلى الأمة في العصور المتأخرة الاجتهاد في استحداث الوسائل التي تمكنهم تحقيق العدل والمساواة والحرية. ومن هنا نكتشف أن ما صلحت به الأمة في الماضي ويصلح به حالها في الحاضر إنما هو جوهر المبادئ التي يتم تحققها عبر أدوات مختلفة، وليس ظاهر الأشياء ومسمياتها؛ فقد تزعم جماعة أنها تقيم خلافة، لكنه مجرد مسمى ينطوي على ظلم وعدم مساواة وعصف بالحريات وعدم إخضاع الحكام للمساءلة والرقابة، وبذلك يفرغ مسمى الخلافة من مضمونه، والخروج من هذا المأزق يستدعي الدوران مع المبادئ والقيم العليا والبحث عن كيفية تحقيقها وفق ظروف كل عصر وطبيعة كل مرحلة.