وصف الكتاب:
رأت الناقدة الدكتورة شهلا العجيلي أستاذة مشاركة في الأدب العربي الحديث والدراسات الثقافية في الجامعة الأميركية في مادبا- الأردن، في كتابها الذي صدر حديثا بعنوان “الهوية الجمالية للرواية العربية/ رؤية ما بعد استعمارية”، أن الرواية العربية وصلت، بعد ما يزيد على قرن ونصف القرن منذ ظهورها الأول، إلى مرحلة يمكن فيها أن نسميها بالتجربة الجمالية، التي بدأت بمغامرة التنوير، وما تزال تمضي في مغامرتها، مكونة الخبرة بمفهومها الجمالي. وقالت العجيلي، في تصريح لـ”الغد”، إنها من خلال هذا الكتاب درست الرواية العربية وعلاقتها بالتحولات الاجتماعية الثقافية، التي صنعت هويتها الجمالية، منذ نشأتها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، إلى مرحلة الحراكات السياسية الاجتماعية، والثورية الأخيرة، من منظور دراسات ما بعد الاستعمار، مبينة أن الرواية دخلت على البنية الاجتماعية الثقافية العربية منذ تراجع النهضة، وتقدم التنوير، وهذا لا يمثل دخول شكل جديد، بل هي صدام نسقين ثقافيين؛ أي وعيين جماليين مختلفين. ورأت العجيلي أن المغامرة الجمالية للرواية سارت في خط مواز للمغامرة الاجتماعية، وتحولت الرواية العربية من مغامرة جمالية إلى تجربة تمتلك الخبرة، ويمكن الاحتكام إليها، وأصبحت نماذجها الجمالية معيارية، وبنية دالة على ذاتها، وطالت المسافة الجمالية فيها، بتمايز التجربة الاجتماعية، وبنضج النماذج الجمالية؛ أي بما يسمى قوة التمييز الجمالي، وقد تركت وراءها صراعات التأصيل والتغريب، وبذلك تكون هذه التجربة الجمالية قد تحولت إلى عنصر في عملية الحياة ذاتها. وأشارت العجيلي الى نظرية ما بعد الاستعمار، التي اقتضت أن تتطابق هوية الآخر في الدين مع هوية الآخر في اللون، وفي الولاء، وأن تحدي الآخرية يوقظ عند الأفراد الرغبة في الحماية النسقية، وإظهار مغايرتهم عبر التحصن بالسلاح الأكثر قوة، وهو الدين، وإن لم يكونوا متدينين؛ حيث يظهر الدين بوصفه ثقافة لا إيماناً؛ أي هوية سياسية في وجه هوية سياسية أخرى، وقد فكك الاستعمار العالم المستهدف مرة أخرى بأدوات مختلفة عن تلك التي استعملها في (سايكس-بيكو) أو في الحرب العالمية الثانية. وقالت العجيلي “إن الاستعمار يذهب الآن إلى تفكيك المجتمعات من الداخل عن طريق حرب الهويات، أو الحروب البينية، وإشعال الصراعات بين سياساتها، فينتج منظمات رديفة إنسانية، واقتصادية، وسياسية، وحراكات مدنية، تشرع في عملية التقويض، وتنشئ مجتمعات جديدة أو تدعم دولاً حاضنة تتولى مهام المجتمع الدولي السابق أو مهام الدولة الوطنية، لتشعر الضحايا بالأمان الذي يمكن أن يجدوه بعيداً عن الوطن، وأن الوطن والأنظمة أكثر عداء لهم من الآخر المستعمِر، الذي سيعود لاستثمار ثرواتهم بطرق أخرى تتخذ مظهراً نبيلاً، وعناوين كريمة من مثل إعادة الإعمار، ولا يبقى من الحياة القديمة التي تتحول إلى تاريخ للبنى سوى الذاكرة التي تحفظها الحكاية، وتتحول تلك الحكاية بمجموع مكوناتها مادة النص الروائي”. وتتابع العجيلي: “تصبح بعد ذلك الرواية هي التعبير الثقافي عن الأنثروبولوجيا، وتتحول إلى الأدلوجة المتخيلة للجماعة الأنثروبولوجية، ويرتبط الفني والمعرفي بوحدة عضوية؛ إذ تتحول الملامح الأنثروبولوجية للجماعة الاجتماعية، التي تمثل الوجه المعرفي للثقافة إلى جماليات الكتابة الروائية، كما يصبح النص الروائي بديلاً للجغرافيا المفقودة، أو الجغرافيا الحلم”. ولفتت العجيلي الى أن الرواية العربية بعد الحراك الثوري الذي بدأ مطلع العقد الثاني من الألفية الثالثة طرحت شكلاً للمجتمعات العربية رافضاً للمرجعيات القديمة، فسنجد مجتمعات تذويتية، متخيلة أو ديستوبية؛ أي تصنع مرجعياتها بشكل ذاتي، وتقف فيها الذات ضد التجربة الجماعية للعالم، وأداتها الرئيسية هي التكنولوجيا، كما يصارع الأفراد من أجل الكرامة التي هي فكرة أخلاقية، مقرونة بالديمقراطية، والتي تقف في وجه الاحتكارات التكنولوجية والعلمية، ويؤكد كل نص بطريقته قدرة الذات في اختيار متعالياتها وصنع تاريخها بنفسها، وهذا سينتج هويتها الجديدة. ويذكر أن العجيلي التي درست نظرية الأدب والأدب العالمي، والأدب العربي الحديث وعلم الجمال في جامعة حلب، صدر لها العديد من الكتب النقدية منها “الرواية السورية.. التجربة والمقولات النظرية، والخصوصية الثقافية في الرواية العربية، ومرآة الغريبة.. مقالات في نقد الثقافة”، وفي مجال الرواية صدر لها “سماء قريبة من بيتنا”، “صيف مع العدو”، “عين الهر”،”سجاد عجمي”، وفي مجال القصة القصيرة صدر لها “المشربية”، وترجمت أعمالها إلى الإنجليزية والألمانية والبوسنية والأرمنية.