وصف الكتاب:
فى إطار أهمية القارة الأفريقية وثقلها سياسيا واقتصاديا فى عالم اليوم، وعلاقة مصر التاريخية بالقارة التى تنتمى لها، وتعدد واختلاف المراحل التى مرت بها، وأن القارة الأفريقية كانت ولا تزال جزءًا أساسيا ومهما من المخططات الصهيونية، ومشروعها الاستيطانى، تستهدف هذه الدراسة اكتشاف ورصد وتحليل المنظور الإفريقى تجاه نشاط كلٍ من الجانبين المصرى والإسرائيلى من خلال صحف حكومية وخاصة، فى دول عينة تم اختيارها كنموذج يمثل النظم السياسية والسياسات التحريريةللصحافة فى القارة. وتجدر الإشارة إلى أن مجمل الدراسات الإعلامية عندما عرضت للصحافة، اعتبرتها من أهم وسائل الإعلام، التى تلعب دورا كبيرا فى جذب انتباه الجمهور، وتوجيه اهتمامه لقضايا معينة، وللموضوعات التى تشغل الرأى العام، أو إثارة أخرى لتوجيهه نحو اتجاه بعينه، كذلك تلعب الصحافة دورا بارزا فى فتح القنوات المشتركة بين الرأى العام والسلطة السياسية الحاكمة، من خلال توصيل الرسائل الإعلامية من الاتجاهين وبالتالي سعت هذه الدراسة إلي تحليل الصحف الأفريقية وعرضها لاتجاهاتها فيما يتعلق بنشاط مصر وإسرائيل في المنطقة. وبالعودة للحقائق المثبتة تاريخيا وجغرافيا، تعد أفريقيا ثانى أكبر قارات العالم من حيث المساحة وعدد السكان، وتأتى فى المرتبة الثانية بعد آسيا من حيث المساحة التى تبلغ 30.2 مليون كيلومتر مربع (11.7 مليون ميل مربع)، وتغطى 6% من إجمالى مساحة سطح الأرض. وتشغل أفريقيا 20.4% من إجمالى مساحة اليابسة([1]). وتعد أفريقيا من أغنى قارات العالم من حيث امتلاكها الموارد الطبيعية المختلفة. وكانت القارة الأفريقية – وما زالت – جزءًا أساسيا ومهما من المخططات الصهيونية، ومشروعها الاستيطانى، حيث تم اختيار بعض الدول الأفريقية وطنا مقترحا "لِلشعب اليهودى" فى حالة فشل المركز الأصلى "فلسطين"، ومن تلك الدول أوغندا وكينيا والسودان. وقد تم الترحيب بهذه الفكرة خاصة مع وجود اليهود الأفارقة فى شرق ووسط أفريقيا، لكن جميع هذه المقترحات تم رفضها، وتم تبنى فلسطين موقعا وحيدا للمشروع الاستيطانى الصهيونى. ومن المعروف أن إسرائيل لم ترتبط بأى علاقات مع دول أفريقيا حتى منتصف الخمسينيات من القرن الماضى، حينما بدأت الدول الأفريقية تنال استقلالها. وتعتبر ليبيريا ثالث دولة فى العالم تعترف بإسرائيل، وأول دولة أفريقية تعقد معها معاهدة صداقة وتعاون. تزايد الاهتمام الإسرائيلى بأفريقيا بعد مؤتمر "باندونج 1955" ومن ثم سطعت أفريقيا فى دائرة الضوء فى السياسة الخارجية الإسرائيلية، خاصة بعد انضمام معظم الأقطار الأفريقية إلى الأمم المتحدة، حيث باتت تشكل كتلة صوتية لها وزنها فى المحافل الدولية. ولقد بادرت إسرائيل بعرض المساعدات الاقتصادية والفنية والاجتماعية على الدول الأفريقية بدعوى تنميتها، وقد لاقت هذه الدعوة ترحيبا من جانب الدول الأفريقية. وأسهمت هذه المساعدات وما ترسله إسرائيل من خبراء ومستشارين - تحت ستار تنمية وتحسين الأوضاع - فى تمهيد السبيل أمام التغلغل الإسرائيلى فى أكثر من 30 دولة أفريقية، رأت فيها إسرائيل قوة يمكن - فى حالة تحالفها معها- أن تهدد العديد من الدول العربية المحاطة بأقطار أفريقية فى جنوب الصحراء. وبدأ مخطط التسلل "الإسرائيلي" إلى أفريقيا من غرب القارة ثم امتد لوسطها، وانتقل إلى شرقها، فى إطار عقيدة الأمن القومى الإسرائيلى، إذ ترى إسرائيل فى أفريقيا مجالا مهما لإدارة الصراع فى الشرق الأوسط، وميدانا لا يمكن التخلى عنه فى ظل الطوق والعزلة السياسية والاقتصادية التى تفرضها عليها الدول العربية. وقد أفسح غياب الدول العربية - وفى مقدمتها مصر - عن هذه المنطقة المجال لإسرائيل للتغلغل والانتشار فى القارة، فى محاولة لسد أى ثغرات من شأنها زعزعة العلاقات بينها وبين القارة الأفريقية. ومنذ بدأ المخطط الصهيونى وحتى الآن، تتعامل إسرائيل مع القارة الأفريقية من منظور أنها منبع للثروات الدفينة، التى لم يكتشفها العرب بعد ولم ينتبهوا لها، وبالتالى فلابد لها من الانتباه لهذه الثروات والعمل على استغلالها على أكمل وجه. وبالرغم من كل المخططات الإسرائيلية سابقة الذكر، وأن مصر على مر التاريخ الحديث كانت جزءا أصيلا من القارة الأفريقية يحمل طموحاتها وهمومها، إلا أنها فى سعيها لتوطيد علاقاتها مع العرب أغفلت الجنوب الإستراتيجى، وتجاهلت انتماءها الإفريقى لصالح توثيق علاقتها بالمحيط العربى، حتى وهنت العلاقات وباتت شبه مبتورة، ولم تتنبه مصر لخطورة الأمر إلافى وقت متأخر علما بأن علاقتها بأفريقيا ازدادت عندما أرسل محمد على - عقب توليه حكم الدولة المصرية - قواته وبعثاته الاستكشافية للقارة الأفريقية، ثم سار على دربه الخديوى إسماعيل، والخديوى عباس حلمى الثانى، اللذان أرسلا قوافل التجارة البينية مع دول القارة الأفريقية. وبعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 والإطاحة بالنظام الملكى، وإعلان مصر جمهورية عربية، ظلت أفريقيا هى الأساس فى وجدان السياسة المصرية. فقد سعى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى توطيد دعائم حكمه بالبحث عن الجانب الإفريقى وتدعيمه له، حتى يتحقق الأمن القومى المصرى. وساند الكثير من الدول الأفريقية فى عمليات التحرر وساعدها لتحصل على استقلالها. فكانت مصر أولى دول العالم فى الاعتراف بالدول الأفريقية المحررة، مثل نيجيريا وغانا والسنغال وكينيا والسودان. وغيرها. إلا أن هذا الأمر ما لبث أن تغير فى الثلث الأخير من القرن العشرين، فعقب تولى الرئيس السادات إدارة شئون البلاد، أدار ظهره للجانب الإفريقى، متناسيا الأمن الإستراتيجى الجنوبى لمصر، قاصرا علاقاته على المعسكر الغربى والولايات المتحدة الأمريكية فقط عقب توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، ليتقهقر الدور المصرى فى أفريقيا تاركا المجال لقوى أخرى تحل محله كان على رأسها إسرائيل. ولقد تنبه الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى بداية توليه الرئاسة لأهمية البعد الإفريقى، وسعى إلى خلق علاقات مع الدول الأفريقية وإن لم تكن على المستوى المطلوب، إلا أن الأمر ما لبث أن تغير عقب تعرضه لمحاولة اغتيال على يد الجماعات المتأسلمة فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أثناء حضوره إحدى القمم الأفريقية فى مطلع التسعينيات من القرن الماضى، ليقطع هو الآخر العلاقات تماما مع الجانب الإفريقى. وكانت ثورة 25 يناير2011 فرصة ذهبية لمصر لاستعادة علاقتها الأفريقية، من خلال الزيارات الرسمية والشعبية إلى دول حوض النيل على رأسها إثيوبيا، فى محاولة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين المصرى والإثيوبي، وهو ما استجابت له إثيوبيا تارة، ورفضته وتعنتت ضده تارة أخرى. وظل الأمر على هذا المنوال حتى عقب تولى محمد مرسى الرئاسة المصرية فى 30 يونيو 2012 كأول رئيس مدنى عقب ثورة 25 يناير، ومن بعده المشير عبد الفتاح السيسى فى2014. فى إطار العرض السياسى السابق للواقع والظروف المحيطة بكل من مصر وإسرائيل فى علاقتهما مع الدول الأفريقية، جاءت هذه الدراسة التى تسعى إلى رصد وتحليل الخطاب الصحفى الإفريقى للنشاطين المصرى والإسرائيلى فى القارة،فى محاولة لدراسة واكتشاف المنظور الإفريقى من خلال الصحف تجاه نشاط كل من الجانبين المصرى والإسرائيلى. ويجب الإشارة إلى أن عملية قياس رد فعل الدول الأفريقية إزاء كل من النشاط المصرى أو الإسرائيلى فى القارة، تتم وفقا لمنهج بحثى وآليات واضحة ومدروسة، تساعد على رصد وقياس ذلك بشكل علمى دقيق لتحليل وسائل الإعلام الأفريقية وتحديدا الصحافة لهذا النشاط. نظرا لما تلعبه وسائل الإعلام - وتحديدا الصحافة - فى التعبير عن وجهات نظر المجتمع وما تعكسه من أحواله. وفى حال الحديث عن المجتمعات الأفريقية، يجب ملاحظة الخصائص الغالبة على الصحافة الأفريقية، ومن بينها سيطرة نمط الملكية الحكومية فيما عدا قليل من الدول، تتمتع بحق إصدار صحف خاصة، تتصدرها جنوب أفريقيا والسنغال وكينيا وزامبيا وتونس والمغرب والجزائر ومصر. كما أن الصحف فى القارة الأفريقية تتركز فى المدن والعواصم الكبرى أى أن الريف الإفريقى يعانى عدم وجود صحف معبرة عنه. ولقد انعكس غياب البينية التحتية الاتصالية فى معظم أنحاء دول القارة، بالإضافة إلى ضعف الإمكانيات الاقتصادية على الأداء الصحفى بشكل كبير فى هذه الدول. وينقسم الكتاب إلى خمسة فصول هم: الفصل الأول: العلاقة بين مصر وأفريقيا الفصل الثانى: العلاقة بين إسرائيل وأفريقيا الفصل الثالث: خريطة الصحافة الأفريقية الفصل الرابع: الصحافة الأفريقية المستقلة الفصل الخامس: مصر وإسرائيل كما تعكسهما الصحافة الأفريقية