وصف الكتاب:
تحمل هذه الرواية للكاتب الجزائري فرادة في تركيبتها وحبكتها، كما في أسلوبها وفي لغة السهل الممتنع التي تتمتع بها، وفي طابعها الساخر الذي ينبع من حرقة الرؤية الواقعية لمجتمع مزيف، ولشخصيات تبدو لشدة واقعيتها، متخيلة أو رمزية، فيزيل النص الحدود الواقعة بين المنطق وعدمه، وبين الحدث وتخيّله، ليخرج كمزيج أدبي ذو نكهة خاصة، كما أنه يمحي الخط الذي يُفترض أن يكون متصاعداً للزمن وللتاريخ، فينساب المزيج بمساره المختلف المتعرج أحياناً والمتكرر أحياناً أخرى، والذي يرفض الانصياع لما هو متعارف ومعهود. لم يستطع "حليم بن صادق"، "منذ أن وطأت قدماه الحياة"، اتخاذ أي قرار، فـ"كيف استطاع أن يفلت من قبضة القضاء ويجعل لحظة موته قراراً يتخذه بنفسه.."، "وحتى تكون ذكراه أسطورية فقد كتب إلى نفسه رسالة يبيّن فيها أسباب انتحاره وبعثها إلى نفسه بالبريد..". "عمار الطونبا"، قرر الانتحار أيضاً، "بعد أن فقد كل أمل في الزواج بحبيبته "نيسة بوتوس"، بالرغم من أن شخصيته القادرة على التحوّل، تتناقض جذرياً وشخصية صديقه حليم المثقف الفقير ذو المبادئ التي لا تتوافق مع مجتمع فاسد مُسيّر بغرائزه. تدور حول هاتين الشخصيتين مجموعة من النماذج البشرية غير الفاعلة في المجتمع أو التي تعيش في أسفله أو على هامشه، كالمخبولين إو المجانين والعاهرات واللوطيين، لتساهم في خلق هذه الأجواء من الفوضى الظاهرة والمدروسة التي أراد القارئ خلقها، في إيحاء ساخر ومركّب لفوضى المجتمع الفعلي وجنونه. هل ينفذّ بطل الرواية خطته في الانتحار وذلك بالقفز من الطابق السابع لعمارة "الطومبا" الواقعة في إحدى شوارع العاصمة الجزائرية؟ وكيف يمضي الوقت المتبقي الذي يفصله عن توقيت التنفيذ؟ وما شكل الحالة التي سيكون عليها؟ في هذه الرواية التي تتصف بالإبداع الأدبي والسرد الشيق والحبكة الفريدة، يتناول الكاتب بجرأة وصراحة أعانته عليها أحياناً اللغة العامية التي اختار استعمالها في بعض الحوارات، مواضيع متنوعة حساسة في جوهرها، ملتبسة في طرحها، عن الحب والجنس والدين والسياسة وغيرها. الناشر: أكثر ما كان يشغل باله لحظة قفز في الهواء، ما أصاب الوقت من تمدد، جعله يتصور أن الوقت المتبقي في حياته أطول من حياته كلها، وإلا كيف راوده الشك في قراره بالانتحار، وكيف أدرك أنه شك، ألا تستغرق رحلة إدراك العقل للمشاعر أكثر من عشر ثوان؟، فكيف إذن لم يستغرقه هذا الإدراك إلا جزء من ثانية؟. "ربما هو شعور سابق للحظة"، قال لنفسه محاولاً طمأنتها وهو ينظر إلى جسده الضخم يتهاوى من عل. لحظتها أدرك أنها المرة الأولى في حياته التي ينظر فيها إلى جسده بالمقلوب، ولعلها المرة الأولى التي يستغرب فيها من ضخامة بطنه، فلم يكن يتصور أنها على هكذا ضخامة، ثم سرعان ما كره ما كان يرتدي من لباس، فتساءل بما يوحي بالحسرة: "هل ستذكر الجرائد غداً كا كنت ألبس؟".. كان هذا السؤال كافياً ليبعث الشك في نفسه من جديد، فلعله لم يحسب للأمر كما ينبغي، أو على الأقل تجاهل بعض التفاصيل في خطته التي كانت تقتضي أن يكون موته مأساوياً، غاية في الشاعرية والفلسفة، ولكن ما كان لكذا تفصيل أن يكدر سعادته بانتصاره التاريخي على القضاء، لأنه حين تحين لحظة الارتطام -بعد أقل من عشر ثوان- سيكون قد سجل مع الذين استطاعوا بشجاعتهم أو بتهورهم (لا يهم)، أن يتحكموا بمصائرهم، ويحددوا تاريخ موتهم.. إنه انتصار ساحق على هذا الذي قيل أنه لا يهزم، لم تعد الحياة بالنسبة له كرة تلهو بها رجل القدر، فتسجل الأهداف كيفما شاءت ووقتما تريد.