وصف الكتاب:
قليلون هم الكتّاب العرب الذين عرفوا إيران، وعايشوا الثورة الإسلامية منذ انطلاقتها. ونادرون هم من عرفوا الإمام الخميني مُفجّر هذه الثورة التي أحدثت تحولا كبيرا في إيران والعالم وما تزال تحدث جدلا كبير بين مؤيد ومعارض لها، كما عرفوا معظم رفاق الإمام على معهود عادتهم، فإن الكتّاب والإعلاميين العرب، انقسموا تاريخيا وحاضرا في تقييم الثورة الإسلامية وما تلاها من محطات كثيرة للدور الايراني في الوطن العربي، فمنهم من صار يعتبر أيران أكثر خطرا من إسرائيل، ومنهم من يرى فيها رأس حربة الدفاع عن الحق الفلسطيني واحياء فكرة المقاومة. الكاتب والإعلامي اللبناني أسعد حيدر سعى لأن يكون موضوعيا الى أقصى حد في مؤلفه الحامل عنوان: " أيام مع الإمام الخميني وبدايات الثورة"، وهو يفاجئنا اليوم بما خطّت يداه. أقول يفاجئنا، ذلك أنه دأب في السنوات الماضية على تشريح الوضع الايراني الداخلي من منظور النقد الحاد لتوسع الدور في الدول العربية، لكن دون أن يقطع علاقته مع الجانب الايراني. وبما أنه عمل في وسائل اعلام تدور في فلك الحريرية السياسية في لبنان، فإن تقديمه كتابا عن إيران، ووضعَه على غلافه صورته الشخصية الى جانب الخميني يفترض أن يطرحا كثيرا من الأسئلة عن المضمون واتجاهاته. لكن من يقرأه سيعرف أن هذا الكاتب الصادق بالتعبير عن أفكاره مهما واجه من نقد، يريد أن يترك كتابا لجيل لم يعرف الكثير عن ايران-الثورة. كانت لي فرصة قراءة أبرز ما جاء في هذا الكتاب قبل ارساله الى " دار الفارابي" العريق، فاذا بي أمام كم هائل من المعلومات والمقابلات والوثائق التي احتفظ بها الكاتب اللبناني المخضرم منذ رحلاته الكثيرة الى إيران في عهد الثورة حين لم يكن يزورها الى العارفون جدا بمالاتها ومنهم مثلا الكاتب العربي الكبير محمد حسنين هيكل، ووجدت عودة مهمة الى ذاك التاريخ بلسان من ساهموا في الثورة أو عاصروها، وممن بقوا الى جانبها أو ابتعدوا أو كانوا ضحية تطرف بعض رجالها لاحقا. بهذا المعنى، يصبح كتاب " أيام مع الامام الخميني وبدايات الثورة" مرجعا بحثيا مهما، لمن يود الدخول الى كواليس تلك المرحلة المهمة ليس فقط من تاريخ إيران وانما ايضا من تاريخ الدور الايراني في الاقليم والعالم. ويكتسب أهمية خاصة لكون الكاتب ليس من النوع الذي يمالق أو يجامل، وهو الأمر الذي جعله في أكثر من مناسبة عرضة للهجمات من قبل أناس لم يعرفوا عن إيران الى ما سمعوه عرضا من هنا وهناك. وفي الوقت الذي أصبحت إيران محور انقسام عربي ودولي حادين، وبات دورها يُقلق دولا عربية عديدة، أو يُطمئن دولا أخرى، ويتصدّر محور الصراع مع إسرائيل في زمن صفقة القرن، ويتنافر حتى شفير الحرب مع الولايات المتحدة الاميركية، ويقترب من مستوى التحالف الاستراتيجي الكامل مع روسيا أو الصين، فان العودة الى المحطات الكبرى في تاريخ ايران مهم جدا اليوم، لمن يناصرها أو يعاديها. يُعتبر أسعد حيدر واحدا من أهم المتخصصين بالشأن الايراني في المنطقة العربية، وهو اذ ينتقد الكثير من سياستها في الدول العربية اليوم، فانه بالمقابل حرص على أن يكون كتابه مرجعا أكاديميا زاخرا بالوثائق والمقابلات والتحليل. لعلّ حيدر كتب جزءا كبيرا مما شاهده وعاصره وعرفه. أقول جزءا، ذلك ان الكاتب اللبناني المعروف، كان قد لعب ايضا أدوارا مهمة في محطات تاريخية مفصلية في سياق العلاقات العربية الايرانية، لا بل والدولية الايرانية ايضا حين كان يقيم ويعمل في باريس. وهو لذلك كان مثلا قد كسب ثقة رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري وثقة طهران في لحظة مهمة من التاريخ الحديث (وانا شخصيا أعرف كم كان الحريري يثق به ويقدره وكم أورثه من أسرار لا يعرفها غيرهما). وهو كذلك بقي رغم ميله العروبي الحقيقي قادرا على محاورة الايرانيين ليس من موقع التابع او الممالق وانما من منطلق العربي الحريص على إقامة علاقة جيدة بين الجانبين العربي والإيراني ولكن من منطلق احترام السيادة وعدم التدخل، ومن منطلق عروبي واضح، جعل الامام الخميني يقول له في أول لقاء بينهما :" أنت عروبي متعصّب".