وصف الكتاب:
يصعب الحديث داخل الأوساط البرتغالية عن تأثير عربي إسلامي في الثقافة البرتغالية، بالرغم من المؤشرات القوية الدالة على هذا التواجد كالحضور القوي للعديد من الكلمات والمفردات، التي تحمل الهوية العربية أو ذات التكوين اللغوي العربي في القاموس البرتغالي، والتي تفوق ثلاثة آلاف كلمة، إضافة إلى المعالم والمآثر التاريخية عربية الملامح في عدد من المدن البرتغالية، كالقلعة العربية الموجودة الآن وسط ساحة "روسيو" بلشبونة، والتي تمثل شعار دولة البرتغال اليوم، كما مجموعة من أجمل القلاع والمساجد والأحياء السكنية التي ما تزال محافظة على طابعها العربي حتى مع محاولات الطمس والتغيير، فقد خلّف الأندلسيون على الأراضي البرتغالية– رغم قصر فترة حكمهم بها بالمقارنة مع إسبانيا- إرثًا حضاريًا وثقافيًا مهمًا أغنى جميع مناحي الحياة: شعر، معمار، لغة، موسيقى، فن الطبخ، زراعة، عادات وتقاليد.التفوق العربي في مجال الأدب الذي أعجب به واستَلهم منه كبار أدباء البرتغال أمثال فرناندو بسوا الذي كان عربّي الروح، حيث أكد في أكثر من سياق على أنه لا توجد حركة برتغالية عميقة ليست عربية في الأصل؛ لأن الروح العربية هي أصل الروح البرتغالية، بسوا الذي لم يُخفِ إعجابه بالمعتمد بن عبّاد الذي تأثر به كثيرًا ولم يُخف محاكاته للأعمال الشعرية لعمر الخيام (رباعيات بسوا)، وكان لحضور الثقافة العربية الإسلامية في أعماله حيّزًا خاصًا.. مظاهر ثقافية وحضارية عديدة انصهرت لتشكل بعضًا من معالم البرتغال المعاصرة.أوجه التفاعل الثقافي العربي البرتغالي متعددة، ومن المظاهر التي شدّت انتباهنا أيضا: الفادو الذي يتعدى كونه لونًا موسيقيًا إلى لون من ألوان النَفْس البشرية، تقاطع إنساني حضاري بامتياز، يختزل حكاية الولادة الأولى ويختزن أسرار أجساد منهكة ويستعيض البوح آهات دفينة، الفادو غني بالتيمات العربية وهو موضوع حي ومنفتح على مشارب ثقافية متعددة ويعتبر الوجه التوأم لموسيقى الفلامنكو الإسبانية التي تحمل وجهًا من الروح العربية أيضًا.من هنا جاء الدافع من وراء اختيار موضوع هذه الدراسة وهو الرغبة في الخروج من القالب النمطي في تناول ظواهر وقضايا المشترك والانفتاح على مجالات بحث ما تزال خصبة وغير مستهلكة ويمكن إضاءتها بنوع من الجدة والجرأة.