وصف الكتاب:
وقف الفتى صاحب العيون الخضراء في ردائه الأخضر يفكر في حل هذه المعضلة. يتذكر كل خريف مرّ عليه وكيف تعامل معه، يتذكر كم الأوراق التي سقطت من عائلته وأحلامه وطموحاته، يتذكر كم العلاقات الفاشلة التي مر بها، ها هو الآن وقد أكمل عامه السابع عشر يقف أمام الغابة يحدق بها كأنها أفعى قادمة نحوه، ينظر إليها كمن ينظر لملك الموت قبل أن يقبض روحه تُرى هل يقبل بهذه المغامرة التي من الممكن أن تُنهي حياته؟آدم، وُلد في القاهرة بين أب متوسط الحال وأم ربة منزل يعمل والده بالأعمال الحرة ليس له مهنة حكومية أو ما شابه وبالطبع نعرف أن أصحاب الأعمال الحرة "بيشتغلوا يومين وعشرة قاعدين في البيت"، يبلغ والده من العمر ٤٥ سنة وأمه متعلمة لهذا حرصت على دخول آدم مدرسة جيدة رغم أن مصاريفها مقارنة بمدارس الحكومة ستكون كبيرة جدًا ولكنها رأت أنه يجب أن يتعلم جيدًا، بلغ آدم من العمر أحد عشر عامًا حتى الآن وأصبح في الصف الخامس، بدأت تتشكل ملامحه تدريجيًا، خمري البشرة، نحيف قليلًا مقارنة بمن في مثل عمره، أنفه حاد، صاحب عيون خضراء مميزة، كان ذكيًا ومحبوبًا بين زملائه ومدرسينه لخفة دمه ومستواه الدراسي الجيد، كان آدم متفوقًا دراسيًا، فقد كان كل عام يكون من أوائل الصف، كان آدم حسّاسًا ويعلم ظروف عائلته و يعلم أيضًا أنه في بعض الأيام لا يكون في منزلهم إلا ما يكفي ليوم واحد فقط لا أكثر أي أنهم يعيشون اليَوْمَ بيومه، فقد سمع والدته أكثر من مرة وهي تقول لوالده: أنت هتفضل قاعد كده كتير؟ البيت مفيهوش ولا جنيه.ليرد والده: أنتِ عاوزاني أعمل ايه يعني، ما أنتِ شايفة أن مفيش شُغل اليومين دول، إيه أسرق؟!لترد الوالدة: لأ يا حبيبي متسرقش بس شوف بقى هندفع مصاريف مدرسة الواد منين ومصاريف العربية اللي بتوصله، أنا مبقتش عارفة أودي وشي من الناس فين وهما بيسألوني كل يوم على المصاريف. ليرد الوالد: قولتلك ١٠٠ مرة ندخله مدرسة حكومة من أم ٣٠ جنيه في الشهر من اللي جنب البيت دول، مش فاهم أنا إيه لازمتها الشحططة والمصاريف دول. لتنفعل الأم قائلة: أنت عاوز الواد يطلع بايظ ودماغه فاضية، أنت متعرفش أن العيال في المدارس دي زي ما بيروحوا زي ما بييجوا، ده الواد هناك ممكن يقعد لغاية خمسة ابتدائي ولا بيعرف يكتب ولا يقرأ. كان هذا الحديث يتكرر كثيرًا أمام آدم حتى وإن لم يشهده، يسمعه من داخل غرفته بسبب انفعالهم، لذا قرر أن يقول لأهله إنه يريد أن يترك العربة التي تقله إلى المدرسة لأنها دائمًا ما تكون مليئة بالأطفال وأنه لا يستطيع أن يأخذ راحته فيها، ولكنه حقيقة كان يعلم أن والديه لا يستطيعان دفع تكاليفها شهريًا وأن مصاريفها عبء عليهما فقرر أن يذهب إلى المدرسة التي تبعد عنه عشرة كيلومترات سيرًا على الأقدام. وصل الآن آدم إلى الصف الدراسي السادس وقد كان يعمل في إجازته الصيفية حتى يساعد أهله لأنه يعلم تمامًا أن الظروف ليست بالجيدة، فكان يعمل في ورشة للخياطة.