وصف الكتاب:
الحياة مشكلات متتابعة، وبقدر ما تكون المشكلة عميقة الجذور بعيدة الغور يتأتّى منها من المعاني ما يضيف جديداً إلى الحياة. ولقد كانت حياة أوسكار وايلد مشكلة فريدة في نوعها. فهي مشكلة النفس الحساسة التي يدفعها الطموح صعداً فتدرك من معاني الحياة ما يشحذ قريحتها ويلهب عاطفتها. فإذا ما نالت في هذا مبتغاها وقفت مترددة عند نقطة خطيرة: فهي قد استوفت حظها من تجاوب العاطفة وتكامل المعرفة في نطاق المعروف والمألوف، فهل تقف عند ذلك الحدّ؟ إن الطبيعة مزيج من الخير والشر. وهي تتمثل في طبيعة الإنسان التي اجتمعت فيها المتوافقات والمتناقضات. وطبيعة الإنسان تتمثل في الغريزة بما تنبض به من أحاسيس وتذخر به الانفعالات. ولقد استطاع الإنسان أن يهذب في هذه الغريزة ويصقل من جوانبها في إطار ما تكون من مفاهيمه للحياة، وبمقدار ما أدركه من معانيها؛ غير أنه أهمل جانباً كبيراً هو ذلك الذي تواضع الناس على اعتباره الجانب المنحط، فلم يطرقوا بابه تعففاً، ولم يحاولوا أن يعرفوا ما وراءه؛ وبذلك بقي جانب من أسرار النفس يحوطه الغموض ويحجبه ستار من التحرّج. لقد قال سقراط : اعرف نفسك تعرف الكون! فهل يكتفي في معرفة النفس بما هو ظاهر منها فقط، وهو ما قتله الناس بحثاً، وقلبوه على كل وجه؟ إذن ما هو الجديد في ذلك؟. ولد أوسكار وايلد في إيرلندا في عام 1854، ومات في باريس عن 46 عاماً. وقد امتلأت حياته بالنجاح كما شاعت فيها الفضيحة. وكان قد تلقى تعليمه في كلية ترينتي في دبلن، ثم في كلية مجدالن في أكسفورد، فأثار الاهتمام في البدء كمؤسس لمذهب في فلسفة الجمال، وككاتب قصص فكاهية للمسرح. وهو يعتبر اليوم صاحب الفضل في إحياء تقاليد المسرح التي جاءت في أعمال كونجريف وشريدان. غير أن أشهر أعماله الأدبية هي قصيدته عن سجن ريدنج (1898)، ورسالته «د. برفوندي» (1905). وهاتان القطعتان تتصلان وثيقاً بموضوع سجنه بسبب مخالفته تعديلات القانون الجنائي. وقد قال هكسس بيرسون، مترجم حياته، عن تلك القصيدة : إنها «أعنف ما جاء من هذا اللون من الشعر في الأدب الإنجليزي». أما خطابه الطويل إلى لورد ألفرد دوجلاس في السجن فهو بكل تأكيد من أحسن ما دوّن في موضوع الكشف عن السلوك الشخصي في أسلوب من البحث العلمي. وحتى وقت قريب لم يكن النص الكامل لهذا الخطاب قد نشر قط.