وصف الكتاب:
كان «لويس كارول» مُعجباً بمقاربة الأولاد الصغار البريئة وغير المتحيزة للعالم الذي يعيشون فيه. وقد أراد أن يُظهِرَ للقارئ في «أليس في بلاد العجائب» وجهة نظرهم في عالم الكبار المُتَضمِّن قوانين وآداباً اجتماعية يتقيد البالغون بها، علاوة عن النرجسية الذاتية والعادات السيئة التي يتبنونها في سلوكياتهم اليومية، وأراد أيضاً أن يُمثل خير تمثيل كفاح الصغار للاستمرار في عالم الكبار المُضطرب، الذي من أجل أن يُهضَم في أذهانهم، اضطُرّت «أليس» أن تتخلى عن الانفتاح الذي يُعَدّ من المميزات الشخصية في الأولاد الصغار. وكما هو ظاهر، فإن الكبار يحتاجون إلى القوانين في حياتهم، وهم يسيرون وفقها من دون أن يفكروا بجدوى التقيد بها، فتدفعهم طاعتهم العمياء إلى تبني سلوكيات غير مفهومة واعتباطية في بعض الأحيان، وقد اختبرت «أليس» ذلك في بلاد العجائب. فهي عندما تلج إليها، تواجه طريقة عيش وتفكير مختلفة عما كانت معتادة عليه في مُحيطها. فهنالك دوقة تحاول أن تجد المنطق في كل شيء، ومحاكمات غير عادلة بحق أناس لم يقترفوا إثماً. تَعَلمَتْ «أليس» من رحلتها أن تفهم عالم الكبار إلى حدّ ما. حقيقة الأمر، كانت الفتاة الصغيرة تختبر مرحلة النضج، ويُستَدَل على ذلك من التغييرات الجسدية التي مرت بها مراراً في القصة. كانت تكبر وتتقلص باستمرار، وفي كل مرة تضيف إلى سلة معرفتها شيئاً جديداً. لقد فَهِمَتْ أن سكان بلاد العجائب «غاضبون دائماً»، وأن عليها أن تتكيف مع القواعد الغريبة والأمزجة الُمتَبَدِّلة، وتمكنت مع مرور الوقت من إدارة الموقف بالشكل الأمثل، فتجرأت أن تصف أوامر «ملكة الكُبّة» أنها محض هراء، ومنعت تنفيذ أحكام الإعدام. صحيح أنها واجهت شكوكاً في هويتها عندما كانت تكبر وتنكمش، وتجلى هذا ملياً في سؤال «اليرقة» التي كانت جالسة على سطح حبة الفطر؛ «من تكونين؟» فارتبكت «أليس» حينها، وخانتها مقدرتها على إيجاد رد مقنع بعد التبدلات الجسدية المتكررة في ذلك الصباح، لكنها أدركت في النهاية أن المخلوقات التي صادفتها -وإن عانى بعضها من عدم استقرار في الهوية مثل الطفل الذي تحول إلى خنزير-ليست في الحقيقة سوى مجموعة من أوراق الكوتشينة، فاستيقظت على الفور من حُلمها لتجد نفسها في عالمها الحقيقي.