وصف الكتاب:
كانت قبرة فتاة صالحة، صالحة جدّاً، وهي فرحة حياتهما الوحيدة. هذا ما ردّده آكوش لنفسه، وأمام الآخرين على الدوام. كان يدرك أن المسكينة لم تكن جميلة، وهذا ما آلمه لمدة طويلة، ولكنه فيما بعد رآها على نحو مختلف. غسل صورتها، وأحاطها بغشاوة ضبابية حادة، ولم يفكر بأمرها بعد الآن، وأحبّها على حالها إلى ما لانهاية. مضى خمس سنوات، وربما عشر منذ أن تخلّى عن آماله كلّها، ولم يخطر له قط أنه سيُزَوّجها. ولكن حين حصل ذلك الحدث مع الفتاة: بدّلت قبرة تسريحة شعرها، وارتدت مع انقضاء الخريف معطفها الشتائي، ولبست الثياب الجديدة مع قدوم الربيع، وأحسّ آكوش بالحزن لأنه لم يألف أن يراها على هذه الصورة. ولقد عانى الآن كذلك. أشفق على قبّرة، ولكي يخفف من شعور الشفقة لديه، راح يعذّب نفسه. رمقها بانتباه، مدققاً في هيئتها على نحو يكاد يكون مهيناً: هذا الوجه غير المألوف الذي كان بديناً وهزيلاً في الوقت ذاته، الأنف السمين، المنخران الوسيعان كمنخري حصان، الرموش القاسية الرجولية، العينان المصليّتان الصغيرتان اللتان تذكرانه بعينيه. لم يكن طوال حياته يفهم بأمور النساء، لكنه شعر بشدة أن ابنته قبيحة. لم تكن الآن قبيحة فحسب، لكنها عانس حقيقية، عجوز، ذابلة. لم يتكشف كل هذا إلّا تحت فيض النور الوردي للمظلة الشمسية، وفي هذه الإضاءة الأشبه بالإضاءة فوق خشبة المسرح. مثل يرقة تحت شجيرة ورد- فكّر. مضت، ومضت بثوبها الرمادي الجردوني، وحين بلغوا ساحة سيتشيني - وهي الساحة الكبيرة الوحيدة في شارسيغ، وسوقها، ومركزها- سبقها لاشعوريّاً ببعض الخطوات لكي لا يتحتم عليه السير إلى جانبها.