وصف الكتاب:
عندما أخذ الرأي العام الدولي موقعاً مهماً في المشهد السياسي العالمي وأصبح له وزنه وتقديره وتأثيره في الأحداث والقضايا الدولية، أدركت معظم الدول الكبرى وساستها أهمية مخاطبته ومحاولة التأثير فيه وكسبه إلى جانب قضاياها لكي يتبنى مواقفها ويؤيد وجهة نظرها. ومنذ أن بدأت وسائل الإعلام الغربية بث برامجها باللغة العربية وممارسة أنشطتها وتوجيه رسائلها، وهي تسهم بصناعة الرأي العام العربي وفقاً لما يريد أصحابها يُعينها في مهمتها قصور الإعلام العربي في كثير من جوانبه وهو ما يتيح الفرصة لهذه الوسائل في التأثير على المتلقي العربي بشكل أو بآخر، وإذا كانت الرسالة الإعلامية العربية يغلب عليها المبالغة وتزوير الحقائق فأنه يقابلها على الطرف الأخر رسالة مصوغة باحترافية ونصوص هادفة وتفاصيل إخبارية منظمة بأسلوب دقيق وقراءات تحليلية من خلال تقنيات علمية متقدمة تصل إلى الجمهور العربي عبر الأثير الأجنبي مما يجعلها تتمتع بالجاذبية، وبالتالي تصبح موضع ثقة المتلقي العربي. ولعل من أهم السمات التي طبعت العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين بروز ظاهرة إطلاق القنوات التلفزيونية الأجنبية الموجِّهة بالتحديد إلى المنطقة العربية لمخاطبة جمهور المشاهدين فيها باللسان العربي لما تناله المنطقة العربية من أهمية إستراتيجية وعمق إنساني كبير للحضارة العالمية، فضلاً عن إنعكاسات الصراع العربي الإسرائيلي على أكثر من منطقة في العالم، وما استجد من أوضاع خطيرة في المنطقة بعد سقوط بغداد على يد قوات التحالف الأنجلو أمريكية، ومن هنا كان الأثير العربي هدفاً لكثير من الفضائيات الأجنبية الموجِّهة إلى الجمهور العربي بلغته. إذْ شهد عام 2003 جدلاً واسعاً في الأوساط العربية المختلفة حول الوجود والتأثير الخارجي على الإعلام العربي وتصاعد هذا الجدل مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية تفعيل ما أطلق عليه “مبادرة باول” مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية في 12/12/2002 والتي تنص صراحة على إعادة هيكلة الإعلام العربي. ويعود سبب إطلاق هذه المبادرة والتي تبلورت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث أثرت هذه الأحداث في اتخاذ المنطقة العربية كركائز محورية في أجندة السياسة الخارجية الأمريكية وأولتها أهمية تفوق أهميتها عن أي فترة مضت، وانطوى هذا الوضع المستحدث على ما يعرف باسم الامبريالية الديمقراطية (Imperialism democracy) . وبهذا شرعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى بناء إمبراطورية غير رسمية تطرح من خلالها فكرة الحاكمية العالمية (Global Governance) من خلال مجلس الأمن الدولي، مع إمكانية تجاهله إذا اقتضى الأمر كما حدث في الأزمة التي سبقت العدوان الانجلو الأمريكي على العراق عام 2003، ومن خلال زعزعة استقرار وسيادة الدول التي تلقب في خطاب هذه الإمبراطورية بإسم الدول المارقة، وكل ذلك مصحوب بالقوة المتزايدة للنظم القانونية من جماعات حقوق الإنسان الدولية الممولة من الغرب وعولمة خطاب ديمقراطية السوق، وأحد مظاهر هذه الحاكمية العالمية غير المباشرة هو مفهوم المجتمع الدولي الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية والذي يتمثل في زيادة التدخل في القضايا الداخلية لدول الشرق الأوسط، وأيضاً تدويلها، والذي له الحق في تغيير نظم الحكم الداخلية وتحمل مسؤولية إعادة بناء الدول التي تسقط نظم حكمها، كما حدث في العراق، واعتبار الإسلام هو العدو القادم للحضارة الغربية عموماً، وهو ما انعكس في الحروب التي تشنها الولايات المتحدة على بعض دول العالم الإسلامي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 مثل أفغانستان والعراق، وما توجهه حالياً من تهديدات لسوريا وإيران استمراراً فيما تطلق عليه الحرب ضد الإرهاب. وقد دعم الرئيس الأمريكي “جورج دبليو بوش الابن” فكرة إعادة هيكلية الإعلام العربي، وذلك من خلال توجيه الإعلام الإخباري العربي وقد تكلل ذلك بإطلاق قناة الحرة الأمريكية بتاريخ 14/2/2004 للترويج للسياسة الأمريكية، بالإضافة إلى الشعور المحدق بها نتيجة تأثير قناة الجزيرة القطرية في تغذية العداء لأميركا وتأييد العنف المستشري والموجه ضد المصالح الأمريكية، علماً أن تجربة الولايات المتحدة الأمريكية مع الإعلام الموجِّهة إلى المنطقة العربية كان قديماً من خلال إذاعة صوت أمريكيا عام 1942م، وكذلك من خلال راديو سوا 2003م، وراديو العراق الحر، كذلك من خلال مجلة هاي الموجِّهة للشاب العربي 2003. أما إيران فقد أصبحت واقعاً صعباً في كل الملفات الإقليمية، أو على الأقل معظمها، بسبب محاولتها أن تبوء بمكانة إقليمية إثر مد نفوذها داخل دول الجوار، يقابلها استنفار دولي وإقليمي لمنعها من تحقيق هذا الهدف، حيث تُعتبر تجربة إيران مع الإعلام الموجه للمنطقة العربية بحكم الجوار والمصالح المشتركة ومع دخولها طرفاً في النزاع بعد الثورة الإسلامية التي شهدتها بشن النظام العراقي السابق حرباً على ثورتها، ويعد احتلال العراق من قبل قوات الاحتلال الأمريكية وإسقاط النظام العراقي السابق دافعاً لإيران أن تبرز كقوة لا يستهان بها في المنطقة، حيث سعت إلى استغلال هذا الاحتلال لتدعيم مكانتها على الساحة الإقليمية. وبهذا استعجلت إيران لإطلاق قناتها الموجِّهة إلى العالم العربي في عام 2003 والتي تحمل اسم (قناة العالم الإخبارية الإيرانية) علماً أن تجربة إيران مع الإعلام الموجه للمنطقة العربية لا تعتبر جديدة حيث سبقتها قنوات إعلامية أخرى موجهة للمنطقة العربية أهمها (صحيفة كيهان العربي) وإذاعة (طهران) الموجِّهة باللغة العربية، وبهذا أصبح الإعلام الدولي أداة من أدوات الصراع الدولي فيما بين الدول، ناقلاً لعناصر القوة في دولته وعاكساً لها للدرجة التي تساهم فيها آليات الإعلام الدولي بشكل فعال في صنع القرارات في السياسة الخارجية بالتأثير نفسه الذي تساهم به السياسات الخارجية للدولة في صنع وتشكيل مضامين الرسائل الإعلامية الدولية، وبذلك يمكن النظر إلى الاتصال الدولي على أنه وسيلة فعاله من وسائل السياسة الخارجية للدول إلى جانب الوسائل السياسية والاقتصادية والعسكرية. ومما يلفت الانتباه هنا أن عدد هذه القنوات في ازدياد ملحوظ ويتنامى بوتيرة متسارعة على مر السنوات، مما يحيل إلى التساؤل عما إذا كان ذلك من قبيل الصدفة أم أن ما جرى كان حافزاً للعديد من الدول وبخاصة الغربية على تسريع عملية إطلاق قنواتها وتوجيهها نحو المنطقة العربية، علماً أنها غالباً ما تكون غير ربحية وممولة من قبل الحكومات ومنها ما هو تابع مباشرةً لوزارات خارجيتها.