وصف الكتاب:
شكل النقد نوعاً كتابياً خاصاً لا يشتغل بمعزل عن الفنون الكتابية الأخرى/ الأدبية تحديداً، بل أنه ينهض على فعل الارتباط الكلي بهذه الفنون، فالنقد ممارسة لغوية تمارس دورها كلاعب ماهر على نص لغوي سابق يثبت وجودها في الملعب الثقافي، وقد أظهرت النظريات والمناهج - على مختلف أشكالها وقوانينها- أنه يأتي متأخراً دوماً، فهو نتاج ردَّ فعل قرائي على نص إبداعي كتب سابقاً، ولا علاقة لنا بذلك النقد الذي يمارسه المبدع على عمله الإبداعي أثناء الكتابة، وهكذا تتوالى ردود الأفعال-في كل عصر– ضد تيارات نقدية تصلح في عصر قد لا يصلح لعصر آخر، وكانت للناقد الفرنسي جيرار جينيت رؤيته الخاصة في وضع نظرية خاصة بالاهتمام الكلي بما حول النص لتترسب قراءاته عن رؤية خاصة تتحصل في النهاية بقراءة العتبات النصية أو ما يسميها بالموجهات النصية التي توجه نظرة القارئ/ المتلقي إلى ما يحيط بالنص. برز الاهتمام بموضوع العتبات على أثر هذه الموجة النقدية التي حدد أسسها جيرار جينيت وخطوات قراءتها وأنماطها وأنواعها ومواضع كل واحدة منها، فكان التركيز على الغلاف وما فيه من معلومات خارج حدود النص، وما يحيط بالنص من الداخل والذي يعمل على توضيح وكشف بعض أسرار النص التي لا يفصح عنها المبدع داخل المتن هي أهم مرتكزات نظرية العتبات,فكل ناقد أو دارس أو باحث ينطلق من عتبات محددة يقتصر عليها من دون المحاولة الإفادة من كل المجالات العتباتية التي حددها جينيت.. والناقد محمد صابر عبيد من النقاد الذين ركزوا اهتمامهم إلى هذا الموضوع الحيوي في ممارسته الإبداعية كافة سواء أكان هذا الاهتمام في مدونته الشعرية أم النقدية. وانطلاقاً من هذه الرؤى فقد ارتأينا دراسة طرائق تشكل العتبات النصية في مدونة الناقد عبيد الناقد، وانطلقنا في دراستنا من ثلاثة موجهات أساسية شكلت فصول الكتاب، فكانت عتبة العنوان البنية العتباتية الأهم التي حرص الناقد على أن يركز عليها، وهي بنية مراوغة تستجيب لآلية المط والشد، وتم التأكيد في هذا الفصل على مستويات العنونة وتحقق فاعليتها، ومن ثم قدمت الدراسة رؤيتها الخاصة بتقسيم الفصل على مباحث ثلاثة شكلت نواتها المركزية من اعتماد العنوان منطلقاً لها، فكان المبحث الأول مستنداً على عنوانات الكتاب، فيما أطاح المبحث الثاني بحرية عنوانات الفصول وأخضعها لشروط قرائية خاصة، أما الثالث فاخترق جدار المباحث ليركز على عنواناتها ويشكل من مباحث فصول الكتاب طعماً سائغاً لفاعلية القراءة العتباتية، له مذاقه وطعمه ونكهته الخاصة. كان من أبرز اهتمامات الناقد عبيد هو العمل على استحداث الجماعة النقدية وانتاج كتب نقدية جماعية عدة، إذ شارك في تأليف مجموعة لا بأس بها من الكتب النقدية التي استندت في أصولها وقواعدها إلى أصول وقواعد الكتابة النقدية، فاتخذت من النص منطلقاً لها.