وصف الكتاب:
إنّ علاقة النقد العراقي بالنقد العربي هي علاقة وطيدة ومتفاعلة ومتعاضدة من بدايات ظهور النقد العربي وانتشاره واكتسابه الأهمية المطلوبة، وعلى الرغم من أن المدرسة النقدية المصرية التقليدية في الدرس النقدي السياقي كانت هي المهيمنة على النقد العربي في بدايات القرن العشرين، إلا أن النقد العراقي عمل على أن تكون له خصوصية ما مع أنه تأثر بالمدرسة المصرية كثيراً في البدايات، وظل هذا التلازم الحيوي بين النقدين العربي عموماً (في مصر خاصة) والعراقي منتجاً لفضاء نقدي محدد، كانت المناهج السياقية بنماذجها التقليدية المعروفة (التاريخي والتأثري والنفسي والاجتماعي) هي المهيمنة على الحراك النقدي مدة طويلة من الزمن حتى مطلع النصف الثاني من القرن العشرين، حيث بدأت طلائع المنهجيات النقدية الحديثة تغزو السوق النقدية العربية بقوة وانتشار وضغط كبير، وأزاحت الاهتمام بالمناهج السياقية على نحو كبير وواضح. خضع النقد العربي عموما في مرحلته الأولى لطبيعة الفكر الفلسفي والثقافي الذي كان يهيمن على العقل العربي، وقد كان النقد (السياقي) الاجتماعي والنفسي والتاريخي والتأثري يمثل مجموعة من المدارس النقدية العربية، تهيأ لكل تيار منها نقاد بارزون أضافوا لهذا النقد الكثير من الخصائص التي تستجيب لمنطق المنهج ورؤيته النظرية في ميدان التطبيقات النقدية على النصوص الأدبية، وكان النقد العراقي يسير على نحو ما في هذا الاتجاه إذ كان النقد الأكاديمي (الجامعي) هو الأظهر والأبرز في العراق حتى ستينيات القرن الماضي، حيث ظهر مع الجيل الستيني الذي أحدث تطورا كبيرا في فهم الأدب ووظيفته وطبيعته وشكله، فبرز نقاد عراقيون (يساريون) عبر بعضهم عن رؤيته النقدية انسجاما مع فكره اليساري (الماركسي خصوصا)، في حين كان البعض الآخر قريبا من المدرسة المصرية، ومن هؤلاء الذين مثلوا الاتجاهين النقاد ياسين النصير وفاضل ثامر ومحمد الجزائري وعبد الجبار عباس وعبد الجبار البصري وغيرهم، واستطاعوا أن يؤكدوا وجود نقد عراقي ذي نكهة عراقية خالصة بما أنجزوه من مدونة نقدية عراقية مهمة. وإذا كان لنا أن نتحدث عن أجيال النقد العراقي فيمكن القول إن النقاد الذين ظهروا في المساحة الأكاديمية (الجامعية)، مثل الدكتور علي جواد الطاهر والدكتور أحمد مطلوب والدكتور داؤود سلوم والدكتور عبد الإله أحمد والدكتور علي عباس علوان والدكتور جلال الخياط والدكتور عمر الطالب والدكتور شجاع العاني وغيرهم، رسخّوا أسماءهم النقدية داخل الجامعة وخارجها أيضاً بنقدية أكاديمية معينة، وإذا كانت الجامعة قد وفّرت لهم مناخا جيدا للتعبير عن رؤيتهم ومنهجهم، فإن النقاد الآخرين الذين ذكرناهم في مشروعهم النقدي اليساري كانوا يمثلون جيلاً آخر يعمل خارج الجامعة، ويؤثر في الوسط الأدبي والنقدي أكثر كثيرا من النقاد الأكاديميين على مختلف الأصعدة.