وصف الكتاب:
شهدت الساحة النقدية العربية في العقود الأخيرة حضوراً ملحوظاً للسيرة بوصفها جنساً أدبياً مستقلاً، له مقوماته وأسسه البنائية الخاصة، كما تنوعت السيرة تنوعاً ملحوظاً أدى إلى تفرعات نوعية عديدة، بحكم انفتاحها المفرط على أساليب الكتابة الإبداعية المتنوعة، الأمر الذي أسفر عن تصنيف أنواعها إلى عشرات الأنواع، أغلبها ناتج من تلاقح جنس السيرة مع غيره من الأجناس الأدبية، من: رواية، وقصة، ومقالة، وشعر، وخاطرة، ورسائل. هذا الانفتاح لجنس السيرة حتم على القائمين على الدراسات النقدية السعي إلى مواكبته، لقراءة التداخلات الاصطلاحية والأجناسية بين أنواعها، والخوض في الإشكاليات الفنية التي يطرحها هذا النوع أو ذاك، بوصفه مهجناً من أكثر من جنس أو نوع، ومن ثم الوقوف عند مرتكزات التلاقي أو الاختلاف بينهما. لكن هذه العناية بأرض السيرة الخصبة، ما زالت في بداية المشوار، وما زال الطريق أمامها طويل، وشائك، وبحاجة إلى جهود كبيرة من الدارسين، تعاين المفاصل التي تتوزع عليها الأنواع، لتغور في أعماقها بروحية مفعمة بمتعة البحث والمتابعة، وعلى نحو يمظهر عناصر كل نوع، ويقف على المواطن الجمالية في النصوص، ليزيد من طاقتها الدلالية، ويدعم شعريتها. وعلى هذا الأساس جاء اختيارنا لهذا الحقل المهم من حقول إبداعنا العربي، ليشكل محط اهتمامنا، منذ بداية مشوارنا في طريق الكتابة والبحث، إذ سبق وأن زرنا حقل السيرة الذاتية، وخرجنا بدراسة (سيرة جبرا الذاتية في البئر الأولى وشارع الأميرات)، وبعدها تعمق لدينا شعور بضرورة المواصلة في هذا المجال الخصب، المهيأ للكشف، بعد أن أخذ المبدع العربي يبذر بذاره في مناطقه المختلفة، وعلى النحو الذي يغري الدارسين بعد أن يخلق في نصوصه طاقة حركية عالية، من خلال رفدها بشبكة من البنى والمنظومات التي تعمل باتجاهات ورؤى مختلفة ومتنوعة، تضيء من خلالها أفضية النصوص، وتضخ حيواتها الدلالية بطاقات قابلة للتوالد والتنامي.