وصف الكتاب:
يظلّ مفهوم ((التشكيل)) المشتغل في منطقة الأدب عموماً، وفي منطقة الشعر خصوصاً، مفهوماً عصياً على التحديد الإجرائي الدقيق، وصعباً على التقنين الاصطلاحي المجرّد، وذلك لأنه محوّل أولاً من منطقة الرسم الأدواتية الفنية والجمالية، وثانياً لأن حركته في ميدان اللغة واسعة وغامضة وعميقة ومتداخلة ومشتبكة لا يمكن أن تحدّها حدود واضحة، على النقيض من حركته الدينامية الرحبة في منطقة الرسم إذ تتجلّى هذه الحركة بكلّ قوّة ووضوح وتمظهر في المساحة والكتلة والخط واللون، داخل أبعاد مرئية في حدود اللوحة يمكن مباشرتها بصرياً والإحساس بها تخييلياً. يمكن مقاربة مفهوم التشكيل ابتداءً في تحليل العلاقة التي يشتغل عليها التشكيل بين الصنعة والرؤيا، إذ بلقاء الصنعة والرؤيا وتضافرهما وتداخلهما تتضح معالم مفهوم التشكيل وتبدأ أوّل خيوطه الفنية والجمالية بالبروز في حاضنة النص، إذ تتصل الصنعة بالمهارة والحذق وإتقان اللعبة الشعرية باستخدام أكبر طاقة ممكنة من التجربة والخبرة، والاستعانة بالثقافة والمعرفة والعلم والحساسية والحدس وكلّ ما هو ممكن ومتاح وضروري لخدمة العملية الإبداعية، فالصنعة الشعرية ضرورة فنية وإبداعية وجمالية يبقى النص ناقصاً من دون تفعيلها وتشغيلها في جميع مراحل التكوين النصّي، وإذا كانت الصنعة تمثّل الجناح الضروري الأوّل للعملية الإبداعية فإن الرؤيا تمثّل الجناح الضروري الثاني، إذ إنّ الصنعة وحدها لا يمكن أن تنتج نصاً شعرياً خلاّقاً من دون الاعتماد على طاقة الرؤيا في نقل فعاليات الصنعة إلى مقام فني وجمالي خصب وكثيف ومثمر، كما أنّ الرؤيا وحدها لن يكون بوسعها إنتاج نصّ شعري يضمن بقاءه طويلاً في منطقة التداول القرائي. من هنا يمكن النظر إلى أهمية الصنعة وضرورتها في التشكيل الشعري بوصفها القدرة على إيصال النص إلى أعلى مرحلة إبداع تقاني ممكنة، لأنها تعمل على ضبط عمل الأدوات ودقّتها، وتحقيق التوازن التشكيلي المطلوب بين العناصر، وتنقية الفضاء الشعري ليبلغ ذروة الصفاء الأسلوبي والتعبيري والتصويري. هذا هو معنى الصنعة الشعرية وطبيعتها وكيفية أدائها في العملية الشعرية، ولهذه الصنعة تاريخ حافل في الشعرية القديمة عند العرب يتمثّل بما هو معروف بـ ((شعراء الحوليات))، الذين كانوا لا يُخرجون قصائدهم إلا بعد أن يمرّ عليها (حول كامل) تخضع فيه للتنقيح والتحكيك والتجويد، حتى تبلغ الدرجة التي تمكّنها من مضاهاة النماذج العليا المعروفة في التشكيل الشعري المتداول برفعة وتألق ومكانة، وكانوا يختلفون بذلك عن الفئة الشعرية الثانية التي لم تكن تهتمّ بالصنعة الشعرية وكان يصطلح عليهم بـ ((أصحاب الطبع))، الذين يعتقدون بأن الموهبة وحدها تكفي لتشكيل نصّ شعري عالي المستوى ونافذ التداول، وربما ذهبوا إلى أن آليات الصنعة قد تفسد عفوية الشعر وانسيابيته. وهو ما يقتضي على هذا الأساس مقاربة علاقة الصنعة بالثقافة، ومدى قوّة تأثير الثقافة في صوغ التشكيل الشعري ودعمه وتمتين أواصر بنائه وخصب طاقته التعبيرية والأدائية في رسم سياسة النص الشعري داخل مجتمع القراءة، على النحو الذي يدعونا إلى مقاربة العلاقة بين الموهبة المثقفة والموهبة الأمية، وهل تختصّ الموهبة المثقفة بالعمل على الصنعة والموهبة الأمية بالإيمان بالطبع؟ لم يعد الشعر الراهن كما كان يقول أبو الطيب المتنبي في وصف مشكلات شعره: أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلقُ جرّاها ويختصموا إذ الثقافة اليوم هي مموّل رئيس ورافد مركزي من روافد التجربة الأدبية عموماً والشعرية خصوصاً، ومن دونها يبقى النص الشعري خارج منطقة الاهتمام والقراءة، ولا تتوقّف الثقافة بطبيعة الحال على ثقافة الكتب فحسب بل ثقافة التجربة والممارسة والرؤية والرؤيا وغيرها مما يتصل بالشعر من قريب أو بعيد. ثمة تجربة في الثقافة وتجربة في الحياة، ومن أجل أن يصل التشكيل الشعري ذروته لا بدّ من التحام حقيقي بين التجربتين، لأنّ اعتماد كلّ تجربة على حدة يذهب بها إلى مصير آخر لا يشتهيه النص الشعري ولا يبتغيه ولا يمكن أن ينجز به شعريته المطلوبة، لذا فإن التشكيل الشعري يقتضي حوار التجربتين وتضافرهما وتداخلهما في فعالية إبداعية واحدة، تضخّ الممارسة الشعرية بقدرٍ عالٍ من الحيوية والرؤية والرؤيا والنشاط. إنّ هذه العلاقة بين تجربة الثقافة وتجربة الحياة تقتضي نوعاً من التفاهم الفعّال والمنتج، وهو يستلهم من تجربة الحياة حرارتها، ومن تجربة الثقافة هندستها وفضاءها العميق، فتعمل حرارة الحياة وتدفقها وسخونتها على ضخّ النصّ الشعري بالنبض الحيّ والتوهّج والتوتّر والحساسية والتنوير، وتعمل هندسة الثقافة على إنجاز فعالية التخطيط والترتيب والتوازن والتنظيم والهيكلة، وبتنافذ العملين في مرجل إبداعي واحد يتمّ الارتفاع بالتجربة الشعرية إلى مصاف التشكيل المطلوب. أما الرؤيا التي تعدّ الجناح الثاني المُناظِر للصنعة فهي بمثابة الثريا التي تغذّي عمليات الصنعة بالضوء والنور والوضوح، وترطّب أدوات عملها وتزوّدها بالقدر الكافي من الماء الشعري المطلوب، إذ الرؤيا على هذا الصعيد ليست مجالاً حلمياً فقط بل هي مجال حدسي عال تدعمه الثقافة أيضاً في سياق فعّال ومنتج من سياقاتها. تنفتح الرؤيا على كلّ الممكنات المؤلّفة للنص الشعري بلا استثناء، فمن (الرؤيا المعرفة) إلى الرؤيا المقترنة بصدق القراءة المستوحاة من تجربة الثقافة وتجربة الحياة، والرؤيا التي تخلق مجالاً رؤيوياً لرؤية ما لا يرى، مما لا يقف عند حدّ معيّن ومقنن، فالرؤيا فضاء بالغ التشكّل وعالي الحضور وواسع الانفتاح وخصب الإنتاج، على النحو الذي يتلاءم كثيراً مع طبيعة الشعر وكيفية تشكّله في النصوص، والرؤيا بعد ذلك هي التي تجعل الصنعة الشعرية ممكنة وعملها مقبول في دائرة الشعرية. إنّ تفاعل الصنعة والرؤيا على وفق هذه المفاهيم واستجابة لهذه القيم والدلالات هو سبيل الوصول الحاسم والأكيد إلى محطة التشكيل، فلا الصنعة وحدها قادرة على إنجاز مهمة التشكيل الشعري بكفاءة عالية ومتكاملة، ولا الرؤيا وحدها قابلة لأن تحقق ذلك بالصورة المرتجاة في نص شعري قائم على تجربة الحياة وتجربة الثقافة معاً. النصوص التي انتخبتها فصول الكتاب جاءت استجابة حيوية لسعة هذا الفهم لمصطلح التشكيل الشعري، واجتهدت القراءة ـ ما وسعها ذلك ـ في تحليل عناصر التشكيل الشعري وتأويلها واستنطاقها بما يتلاءم مع جوهرية هذا الفهم وظلاله وتخومه وطبقاته، واجتهد المنهج النقدي في استيعاب الحراك الشعري المتعدد والمتنوع والمختلف كي يتمظهر على نحو كلّي وشامل يؤهّله للإحاطة بامتدادات المفهوم وانفتاح المصطلح. وإذا كانت ((النصيّة)) هي الظاهرة المنهجية اللافتة والبارزة والمنتجة في قراءة بنيوية النصوص المنتخبة، فإن عملية الاستحضار الدائم لمفهوم التشكيل بين يدي المنهج حال دون التوقّف عند نقطة معينة، أو فكرة محددة، أو نشاط مقنن، أو رؤية واحدية، أو قضية لافتة، بل انفتح المنهج على كلّ ما يمكن أن يتيحه التشكيل الشعري في هذه النصوص من تجربة وثقافة وصنعة ورؤيا ورؤية وفكرة، باحثاً أصيلاً في النسيج والخلايا والمكوّنات والأدوات والتقانات والعناصر والمرجعيات، بكلّ حرية وديمقراطية وبهاء ورحابة وحيوية ونشاط وفعالية، يمكن أن تكشف عن جديّة المنهج وصلاحيته وكفاءته وارتباطه بشخصية الناقد وتجربته الممتدة على ثلاثة عقود وأكثر من ثلاثين كتاباً. شرع الكتاب بتقديم مدخل اصطلاحي ينظر في مفهوم ((التشكيل الشعري)) بما هو متاح من مساحة اصطلاحية ممكنة، وذهب الفصل الأول الموسوم بـ ((التشكيل الشعري المكاني)) إلى مقاربة مجموعة نصوص شعرية اشتغلت في إطار تشكيلية المكان الشعرية على ((تشكيل الأمكنة وصوغها شعرياً)) و ((جماليات المكان الشعري: تشكيلية الرمز ورمزية التشكيل)) ثمّ ((قصيدة الشخصية: شعرية الحبّ والألم))، وأخيراً ((المكان المعلّق وتمثيل السواد))، بما يمكن أن يعطي صورة عن فضاء التشكيل المكاني الشعري. في الفصل الثاني الموسوم بـ ((التشكيل الشعري التقاني)) تَقدّمَ الكتاب خطوة جديدة في سبيل الكشف عن العالم الداخلي للتشكيل، وضمّ الفصل ((سؤال الشعر: فضاء التشكيل ومنطق التعبير)) و ((الحكاية الشعرية: من التخييل إلى التصوير)) ثمّ ((القصيدة البانورامية: انفتاح الفضاء التشكيلي الحرّ))، وأخيراً ((لعبة التضاد وتشكيل المفارقة))، على النحو الذي أبرز شبكة مهمة من الممكنات التقانية المسهمة في عملية التشكيل الشعري. أما الفصل الثالث الذي جاء بعنوان ((التشكيل الشعري الإيروتيكي)) فقد سعى إلى استنطاق الحساسية الإيروتيكية في حاضنة التشكيل، لما تنطوي عليه هذه الحساسية من قوّة حضور هائلة في النصّ الشعري وعلى مستويات مختلفة، واشتغل الفصل على مجموعة نصوص حاولت الإجابة على أسئلة التشكيل في هذا السياق، فجاء المبحث الأوّل بعنوان ((موسيقى الحبّ: إيقاع الجسد)) والثاني بعنوان ((أنوثة الشعر وشعرية الأنوثة))، وعكف المبحث الثالث على تحليل العلاقة بين ((القصيدة الأنثى وأنثوية القصيدة))، واختص المبحث الأخير بمقاربة ((القصيدة الإيروتيكية))، وبما يحقق قدراً ما من التكامل في استيعاب الحراك الإيروتيكي المتنوع والمتعدد في تشكيلية القصيدة العربية الراهنة. يحظى مصطلح ((التشكيل السردي)) من حيث المفهوم والإجراء بأهمية بالغة من لدن معظم الباحثين والنقاد والدارسين في حقول المدونة السردية الحديثة المتعددة، لما لــ ((التشكيل)) – على الصعيد الاصطلاحي والمفهومي – من قوة حضور وإغراء دفعت الكثير منهم إلى استعماله والاشتغال على آفاقه، على النحو الذي أضحى اليوم بحاجة إلى نوع من التأصيل الذي لا يتيه في فضاءات النظرية وتتكسّر أطرافه عند حدودها، بالرغم من صعوبة المهمة إذ إن المصطلح على هذا النحو المفتوح لا يمكن حصره في حاضنة اصطلاحية محددة تستجيب لآفاقه المفهومية بسهولة ويسر، لذا سيكون التأصيل منطلقاً من حقيقة لا مجال للتغاضي عنها أو نكرانها مطلقاً، تتمثّل بخصب المصطلح، وقوّة زخمه المفهومي، وتعدديته، ومرونته، وحساسيته معطياته وتنوّعها. تشتغل رؤيتنا الاصطلاحية للتأصيل هنا على البحث المفهومي في مفاصل مركزية تقارب حدود هذا المصطلح من حيث اقتراح شبكة مداخل للبحث والتقصّي والمعالجة، فبحثنا في مدخل ((التشكيل: مقاربة اصطلاحية)) المظاهر العامة التي يمكن الاستناد إليها لإنجاز مهمة الاقتراب من الحدود المفهومية العامة للمصطلح، ثم انتقلنا إلى معالجة العلاقة الجوهرية بين ((التشكيل والرؤيا)) بوصفها علاقة مشجعة على تفعيل المصطلح من خلال الرؤيا تفعيلاً إبداعياً يدعم المصطلح بمشروعية إجرائية عميقة، تتمثل في طغيان سلطة الرؤيا على جلّ الأعمال الأدبية التي لا تحتاج إلى تأسيس خطابها إلا إلى التشكيل. من هنا أصبحت العلاقة الفعّالة بين ((التشكيل وعضوية الخطاب)) أساسية في تنظيم العلاقة الإجرائية الضرورية بين الخطاب والتلقي، إذ يتقدّم الخطاب إلى فضاء التلقي وهو مزوّد بكلّ المستلزمات والإمكانات والعناصر والمكوّنات التي تساعده تحت راية التشكيل على تحقيق التفاعل مع مجتمع القراءة، من أجل أن تستكمل شروط حياة الخطاب بين فضاء التشكيل وفضاء التلقي. ثم تخرج مقاربتنا إلى نوع تشكيلي يتناسب مع الجنس الأدبي إذ لكلّ جنس أدبي طرازه التشكيلي الخاص به، الذي يلتقي في الحدود المفهومية العامة مع أنواع التشكيل الأخرى، غير أنه يفترق عنها بالقدر الذي تفرض فيه تقاليد الجنس الأدبي الواحد اشتراطاتها النوعية على بنية المصطلح، وشرعنا في مشروع هذا الكتاب ـــ وعلى نحو مخصوص ـــ التأسيس ضمن هذا الأفق لمصطلح ((التشكيل السردي))، وهو يتمظهر – إجرائياً ـــ عبر نوعيه المركزيين القصة القصيرة والرواية. وتركنا الباب الاصطلاحي مفتوحاً على فصلي الكتاب الإجرائيين كي تبرز قوة حضور المصطلح وفاعليته ونماذج اشتغاله في منطقة الإجراء، حيث هي الهدف الأسمى الذي تسعى إليه الممارسة النقدية أصلاً، ومن خلالها فقط يمكن تلمّس كيفيات تمظهر المصطلح وطبيعة اشتغاله في الميدان النصّي. في الفصل الأوّل الموسوم بـــ ((التشكيل السردي القصصي)) تناولنا مجموعة من النماذج القصصية المنتخبة على وفق إطار تمثيل المصطلح في عملية الإجراء النقدي، وسعينا في كل نموذج إلى تشغيل نسق ما من أنساق المصطلح عبر المقاربة النقدية الكاشفة عن تجلٍّ معين من تجليات المصطلح. فقاربنا في هذا الفصل التطبيقي مجموعة من النصوص القصصية عبر ما يلائمها من مقاربات تعمل في هذا الاتجاه، إذ درسنا ((فضاء القصة القصيرة جداً: التشكيل والتعبير)) ثم ((فضاء القرية: الموروث الشعبي ولعبة التخييل السردي، وانتقلنا في سياق آخر إلى ((الراوي الجامع وفضاء القصة السيرذاتية)) ثم ((تشكيل القصة: بين سرد المحكي وسرد المصمت)) و ((تشكيل المكان في السرد القصصي)) و ((تشكيلية الصورة القصصية وبصرية العلامة)) من خلال نماذج قصصية تتنوّع في أسلوبياتها وخصائصها السردية، سعت تدخلاتنا النقدية في تحليل رؤياتها – قدر المستطاع – إلى استجلاء قدرتها الإجرائية على الإجابة على مصطلح التشكيل السردي ومظاهره المفهومية. أما الفصل الثاني الموسوم بـــ ((التشكيل السردي الروائي)) فقد تناولنا فيه هو الآخر مجموعة من النصوص الروائية المنتخبة على وفق تمثيل المصطلح في الحقل الإجرائي أيضاً، واجتهدنا في كل نموذج من نماذجها إلى قراءة صورة من صور حضور مصطلح التشكيل في فضاءاتها ومفاصلها البنائية ومكوناتها السردية، ومن ثم إذا ما سلّطنا عليها رؤية نقدية شاملة ومتكاملة فإن حدود مصطلح التشكيل السردي ستتجلى على نحو ما، وتشبع جزءاً مهماً من الرغبة القرائية لمقاربته ومعرفة حدوده. فقاربنا في هذا الفصل التطبيقي ((مفهوم الواقعية: حساسية الرواية السيرذاتية)) ثم ((صراع الأمكنة الروائية ومفارقة التسمية))، وعالجنا في السياق نفسه ((البركان السردي:((سيدات زحل)) الرواية المتفجرة)) ثم ((الصنعة الروائية: سؤال النوع السردي))، وذهبنا في مفصل إجرائي آخر إلى البحث في ((العتبات النصيّة وفعالية الحيّز الورقي)) ثم ((رواية العتمة: محدودية الفضاء وكثافة السرد)) و ((رواية الشخصية ـ قراءة في رواية (لخضر) ـ))، واختتمنا الفصل بـــ ((إشكالية التجنيس: من الكاتب إلى الناقد)). باجتماع المدخل النظري والفصلين الإجرائيين داخل حشد رؤيوي واحد يمكن للمتأمل في اشتغال مفاصل هذا الكتاب أن يقع على حدود عامة لمصطلح ((التشكيل السردي))، من دون أن يحظى بتعريف رياضي مقنن لهذه الحدود، وذلك لصعوبة مثل هذه النتيجة في حقل مفهومي يتّسم بالتداخل والإشكالية في رسم صورة متماسكة جداً للمصطلح، غير أن متابعة المعطيات النظرية في المدخل وبمصاحبة التجليات المفهومية المتنوعة والمتعددة للمصطلح في حقل الإجراء عبر الفصلين التطبيقيين، يمكن العثور على حساسية الرؤية المفهومية للمصطلح وإدراك قيمتها الممكنة في المعنى والمدلول. هل يختلف أو يتّفق مفهوم التشكيل السيرذاتي عن مفهوم التشكيل الشعري والتشكيل السردي مع اختلاف الجنس الأدبي الذي يشتغل عليه المفهوم؟ أم أنّ المفهوم يتغيّر بتغيّر الجنس الأدبي الذي يشتبك معه؟ ويمكن أن تتفرّع من هذين السؤالين أسئلة أخرى تدعم المستوى الحجاجي فيهما، وصولاً إلى الاطمئنان على سلامة المصطلح داخل فضاء المفهوم من حيث كليّة أو جزئية الحدود المفهومية والاصطلاحية للتشكيل.