وصف الكتاب:
هل ظل من الممكن إضافة شيء حول المتنبي، مالئ الدنيا وشاغل الناس، طيلة هذه القرون التي امتدت من ولادته حتى الآن؟!.. وهل ظل جانب منه لم يدرس ويُمحَّص ويُقلَّب على أكثر من وجه، ولم يخضع للنقاش والأخذ والرد بين محبي هذا الشاعر العظيم وبين منتقديه وكارهيه؟!.. إن المتنبي شخصية فذة في تراثنا الأدبي. ومحبوه وقرَّاؤه وحفظة أشعاره أكثر من يتم إحصاؤهم، وأكثر خطورة من أن يتم الاشتباك معهم دون تحضير واستعداد مسبقين. فهم على معرفة واسعة بشعره وبالكثير من مراحل حياته وتفاصيلها. وحميّتهم في الدفاع عنه أو في مهاجمته لا تقاس. وبالتالي فالصورة المسبقة عنه أكثر إلزاماً. والصورة المتخيلة عنه، التي رسموها له، أكثر التصاقاً بالمخيلة من أن تتم مناقشتها. وعلاقته بـالهوية القومية أكثر تجذراً وخطورة. وهذا ما يجعل التطاول عليه، بالنسبة للكثيرين، تطاولاً على واحد من «قيم الأمة ورموزها». ولكنني أكتب عن المتنبي بعد أن اشتغلت عامين كاملين في قراءته وتحليل شعره ودراسة تفاصيل حياته من أجل كتابة مسلسل تلفزيوني عنه. والكتابة الدرامية تفرض على صاحبها أن يتغلغل ما استطاع في نفوس أبطاله لكي يفهمهم، وأن يتخيلهم في الحالات التي يمكن أن يكون فيها البشر، وأن يرسم ردود أفعالهم، بالمنطق الدرامي، كما يمكن أن تكون عليه ردود فعل البشر. وذلك كله ضمن إطار المعلومة التاريخية الموثقة. كانت زوجتي ذات يوم تحكي لابني عن فضائل النمل وغباء الصرصار الذي يغني، الصرصار يغني لأنه يريد أن يكون بلبلاً، تصوري، يريد أن يكون بلبلاً، ولا يفهمه أحد؛ ويشنّعون عليه بأنه عاطل لا يعمل، ويقولون له: أنطر النمل؛ النمل العظيم الذي يكد ويشتغل ويؤمن مؤونة الشتاء. صحيح، ولكن النمل ليس لديه مثل أعلى؛ الصرصار لديه مثل أعلى، يريد أن يصير بلبلاً، والنمل لا يريد أن يكون إلا نملاً؛ انظري إلى هذا النمل؛ انظروا كلكم إلى هذا النمل؛ من منكم يستطيع أن يميز نملة عن أخرى؟!... النمل كله متشابه، النمل رتيب، بليد، قطيع، ولا نملة تختلف عن الأخرى، ولا نملة تريد أن تختلف عن الأخرى، ولا نملة لديها مثل أعلى، ولا نملة تريد أن تكون أكثر من نملة، ولا نملة لديها طموح إلا أن تصل باللقمة إلى وكرها؛ النمل يريد أن يأكل فقط والمخلوقات كلها تريد أن تأكل، لكن الحياة لم تتطور بالذين يأكلون، أو الذين لا هم لهم إلا أن يأكلوا. الحياة تتطور بالذين يمسكون ما يجدونه فيصنعون منه شيئاً آخر بدل أن يأكلوه، بالذين يحولون شيئاً إلى شيء، الذين يحولون الجلد إلى آلة موسيقية، الذين يحولون الكلام إلى شعر، الذين يحولون الرحيق إلى عسل، لماذا خطر لك أن تحولي إنتباه الولد إلى النمل ولم تحوليه إلى النحل؟!... وتجيب الزوجة باكية: لأن الحكاية هكذا؛ فيرد المتنبي: حتى الحكاية يجب أن لا نقبلها كما هي، حتى الحكاية يجب أن نغيرها، تعلمي أن تغيري الحكايات لكي تكوني زوجة صالحة لأبي الطيب المتنبي، أسمعت؟!... أنا أبو الطيب المتنبي، ولست أحمد… إن في هذه الدنيا المسلمة آلاف الآلاف ممن أسمهم أحمد ولكن لن يكون فيهم إلا واحد، واحد فقط، لا شبيه له، واحد قادر على أن يحلم بالمستحيل، وقادر أن يحققه، واسمه أبو الطيب المتنبي، إنه الصرصار الذي يحلم أن يكون بلبلاً. هل ظل من الممكن إضافة شيء حول المتنبي، مالئ الدنيا وشاغل الناس، طيلة هذه القرون التي امتدت من ولادته حتى الآن؟!... وهل ظل جانب منه لم يدرس ويُمحَّص ويُقلَّب على أكثر من وجه، ولم يخضع للنقاش والأخذ والرد بين محبي هذا الشاعر العظيم وبين منتقديه وكارهيه؟!... إن المتنبي شخصية فذة في تراثنا الأدبي، ومحبوه وقرَّاؤه وحفظة أشعاره أكثر من أن يتم إحصاؤهم، وأكثر خطورة من أن يتم الإشتباك معهم دون تحضير وإستعداد مسبقين، فهم على معرفة واسعة بشعره وبالكثير من مراحل حياته وتفاصيلها، وحميّتهم في الدفاع عنه أو في مهاجمته لا تقاس، وبالتالي فالصورة المسبقة عنه أكثر إلزاماً، والصورة المتخيلة عنه، التي رسموها له، أكثر إلتصاقاً بالمخيلة من أن تتم مناقشتها، وعلاقته بالهوية القومية أكثر تجذراً وخطورة، وهذا ما يجعل التطاول عليه، بالنسبة للكثيرين، تطاولاً على واحد من "قيم الأمة ورموزها". ولكنني أكتب عن المتنبي بعد أن اشتغلت عامين كاملين في قراءته وتحليل شعره ودراسة تفاصيل حياته من أجل كتابة مسلسل تلفزيوني عنه، والكتابة الدرامية تفرض على صاحبها أن يتغلغل ما استطاع في نفوس أبطاله لكي يفهمهم، وأن يتخيلهم في الحالات التي يمكن أن يكون فيها البشر، وأن يرسم ردود أفعالهم، بالمنطق الدرامي، كما يمكن أن تكون عليه ردود فعل البشر، وذلك كله ضمن إطار المعلومة التاريخية الموثقة. وقد حاولت إخضاع المتنبي، وتفاصيل حياته المتعارف عليها والمبثوثة في الكتب، للشرط الدرامي، وأوصلني هذا إلى بعض النقاط المتعلقة به، وبحياته، وطباعه، وشخصيته الإجمالية، وطريقة كتابته للقصيدة، وعلاقته بعصره رجال عصره وظروف عصره، أرى من الضروري أن أطرحها للقراء. وكان أن خرجت بنتيجة ملخصها أن صورة المتنبي في أذهان محبيه ومبغضيه مختلفة كثيراً عن صورته الحقيقية التي يخرج بها الدارس أو المحلل المتمعن.