وصف الكتاب:
"فخ الأسماك"... كانت القرية قد نصبت ثلاثة أفخاخ من تلك الأفخاخ الكبيرة... في مناطق ملائمة وتكنوا من صيد كمية كبيرة من الأسماك... إحدى تلك الأفخاخ تقع غرب القرية، وذلك الموقع قديم ويعود إلى أيام الآباء والأجداد ويعدّ من الأفخاخ الضخمة وذلك لإنحدار النهر الفجائي وبشدّة.... كان الوقت عصراً عندما اتفق حمدي وخورشيد للذهاب إلى ذلك الفخ لعلهم يعثرون على بعض الأسماك في الفخ. كان حمدي في السادسة عشر من عمره، شاب يتميز بالذكاء وبعض الخبرات أكثر من غيره من شباب القرية الذين هم قريبون من سنة... أما صديقه خورشيد، فكان يصغره بسنتين، شاب محبوب وهادئ الطبع... قبل أن يتحرك حمدي وخورشيد من القرية نحو تلك المنطقة حيث يزورون ذلك الفخ، كانت السماء في الشرق من قريتهم ملبّدة بالغيوم الداكنة السوداء، يُسْتَدَلّ منها أن السماء كانت تمطر هناك بغزارة، وتلك الظاهرة أمرٌ عاديّ في الربيع. أما في القرية فكان كل شيء هادئاً، لم تكن السماء صافية، ولكنها لم تكن ممطرة، تحرك الصديقان نحو الشمال وكان وادي النهر عميقاً بأكثر من 50 متراً ويبعد مسافة 2 كم عن القرية، ذهب حمدي إلى بيت خورشيد فوجده جالساً مع بعض أفراد أسرته، فسلّم عليهم، وقال لخورشيد: هل نذهب الآن؟ - أجل هيا بنا.. فقالت والدة خورشيد: إلى أين يا أولاد؟... قال حمدي: إلى النهر يا خالة، لزيارة (السلتة) الشمالية، لعلنا نظفر بعدد من الأسماك، فقالت السيدة: ذلك صعب، حيث أن الموسم على آخر أيامه، فقال خورشيد: لن نخسر شيئاً، سنتمشى إلى هناك ولا يأس إن رجعنا صغر اليدين، فقالت السيدة: خذوا حذركم من الثعابين فإنها تقصد تلك الفخاخ لأخذ نصيبها من الأسماك الصغيرة، وألوانها مثل لون الصخور وأخشاب السياج، وهي ماكرة فاحذروها، فقال حمدي: حسناً يا خالة، اطمئني فنحن راشدان وتعرف ذلك. انطلق الصديقان نحو تلك المنطقة من النهر حيث أقيم ذلك الفخ، كان الطريق ينحدر بشده حتى وصلا القطع الزراعية، ومنها إلى منحدر قاس تحت شجرة جوز عملاقة وقديمة... في تلك المنطقة يتوسع مجرى النهر ويقلّ عمق مياهه، وتستعمل كنقطة عبور إلى الضفة الأخرى... يوجد في وسط النهر في ذلك المكان صخرة كبيرة ومسطحة... ولم يكن الماء يغطيها في ذلك الوقت، فعبرا نصف النهر وصعدا على تلك الصخرة... طلب حمدي من خورشيد أن يبقى على الصخرة ويذهب هو وحده لتفقد الفخ الذي يقع إلى مسافة قريبة... وهكذا جلس خورشيد على الصخرة وعبر صديقه حمدي إلى الضفة الأخرى، وسار على ضفة النهر الخالية من الأشجار في تلك النقطة بإتجاه الفخ... كان كل شيء هادئاً وتمنى الشابان أن يعودا إلى البيت ببضع سمكات... بعد وصول حمدي إلى موقع الفخ وأصبح فوقها، صاح، هناك أربع سمكات، وواحدة منها كبيرة الحجم، وما أن أتم حمدي جملته حتى تبادر إلى سمع خورشيد أصوات غريبة، فرفع رأسه بإتجاه جريان النهر فرأى ليس بعيداً موجة عالية ومرعبة من الماء بلون التراب الأحمر المتسخ وهي مجملة بأنواع الأخشاب وأشياء أخرى وهي تتجه نحوه بسرعة رهيبة، نوقف على رجليه وصاح على حمدي قائلاً: حمدي انتبه هناك موجة عالية من الماء تأتي نحونا فابتعد عن النهر، غير أن حمدي لم يسمعه اول الأمر بسبب صوت شلال الماء الصغير وصوت جريان الماء مما اضطر خورشيد أن يكرر تحذيره بصوت أعلى عدة مرات ونسي نفسه تماماً أو ظن أن تلك الموجة ليست بذلك العلو بحيث تغطي الصخرة التي يقف عليها، وعندما سمعه حمدي ورأى ذلك التيار المرعب الذي لم يعد بعيداً عنهم كثيراً، وخاصة خورشيد، فعاد إليه راكضاً وهو يصيح: خورشيد أسرع خلّص نفسك لم يستطع خورشيد تخليص نفسه رغم كل المحاولات التي بذلها حمدي وأهل القرية... وأصبح أثراً بعدعين.... وظلّ أهل خورشيد في حزن شديد وكذلك معظم اهل القرية، لأنه كان شابّاً مسالماً محبوباً ومات بسبب الإهمال وقلة الخبرة والحيلة وفي تلك الحالات التي يتفاجأ بها الناس بفاجعة دون مقدمات يكون وقع الحادث مؤلماً ومحزناً مدة أطول، والحوادث من ذلك النوع... مثل الفرق أو لسعات الأفاعي أو السقوط على الأشجار العملاقة، كأشجار الجوز في موسم جني الحصاد، أو السقوط من مكان مرتفع... إنها مناخات يحاول الكاتب تصويرها، بل رسما بدقة لتلك القرى التي تقع في مناطق الجبال العالية في كوردستان شمال العراق، قصصٌ تفتح أمام القارئ آفاقاً ليكون أقرب إلى هذه المناطق... وليكون لديه ثقافة ما يخص تلك المناطق من حيث تضاريسها... جمالياتها... أهلها... عاداتهم وتقاليدهم... قصص تحكي الواقع الكردستان في تلك المناطق بدقة، يسوقها الكاتب بأسلوب سردي وصفي حتى ليخيل للقارئ أنه يعيش واقعها الجميل والمأساوي في آن إلى حدّ التماهي...