وصف الكتاب:
في تاريخ الشعر شعراء أندلسيون ذاع صيتهم في زمانهم وكانوا ملء السمع والبصر، ولكن إبداعهم الشعري لم يسلم من عوادي الزمن، ففقدت دواوينهم، وضاعت أشعارهم، ولم يبق منها إلا النزر اليسير، لكن فوزي عيسى استطاع أن ينفض الغبار عن مجموعة من أهم شعراء عصرهم، وأن يلفت النظر لهم ولشعرهم وحياتهم الثرية، التي تلقي بالضوء على فترة تاريخية هامة. مقابلة بين الروايات المختلفة الهدف الذي طمح إليه عيسى في هذا الكتاب هو إخراج هؤلاء الشعراء من دائرة النسيان، فقدم لكل شاعر منهم بدراسة تضيء عالمه الشعري في حدود ما جمعه من شعره، متبعا منهج التحقيق العلمي في التوثيق والتخريج والضبط والمقابلة بين الروايات المختلفة. ولم يكن اختيار هؤلاء الشعراء خاضعا لعامل المصادفة، وإنما لعدة اعتبارات منها أن لمعظمهم دواوين مفقودة، فقد كان «ليحيى بن هذيل» ديوان أجاز روايته لابن الفرضي، ووصف بأنه «كان شاعر وقته غير المدافع»، كما كان أستاذا للرمادي الشاعر، وقد جمع له أكثر من خمسمائة بيت. وقد كان لابن هذيل ديوان أجاز روايته لابن الفرضي، ولكنه ضاع فيما ضاع من التراث الشعري الأندلسي. أما «عبادة بن ماء السماء» وهو أبو بكر عبادة بن عبد الله بن محمد بن عبادة الأنصاري الخزرجي، فهو من ذرية الصحابي الجليل سعد بن عبادة الأنصاري، ووصف بأنه «من فحول شعراء الأندلس». وقد أسهم بدور بارز في تطور فن الموشحات، وغطت شهرته كوشاح على شعره، وقد أدرك عبادة الدولة العامرية ولحق الحموديين فمدح أمراءهم وتلقى العلم على شيوخ عصره، كما تتلمذ بصفة خاصة على العالم اللغوي المشهور أبي بكر الزبيدي. وذكر بعض أصحاب التراجم أن شعر عبادة كثير ولكن لم يصل منه إلا بقية يسيرة اجتهدنا في جمعها من كتب الأدب والتراجم، وقيل إن أول شعر قاله عبادة كان في فتيان يرمون على المنارة وقال فيهم: وما راعني إلا سهامٌ رواشقٌ إلى هدف ينحوه كل يدي ظبي أقاموه كي يرموا إليه فلم يكن لهم غرضٌ حاشا فؤادي في الرمي وما بقي من شعر عبادة أغلبه مقطعات أو أبيات مجتزأة من قصائد، وهو يشير إلى أنه طرق أغراض الشعر كافة من وصف وغزل ومدح ورثاء وخمريات. ولعل شهرة ابن الأبار البلنسي الشاعر المشهور قد غطت على شهرته، وقد كان أحد الشعراء المعتضد، كما كان كثير الشعر، وذكر ابن خلكان أن له ديوان شعر، وقد تطورت على يديه قصيدة المدح فمزجها بالطبيعة ونظمها على نسق فريد واشتهر بروضياته وزهرياته. ولم يصل من شعر ابن الآبار إلا القليل، وهذا القليل يؤكد شاعريته وتفننه في صناعة النظم، وأغلبه في المدح ووصف الطبيعة والخمر. وقد تطورت على يديه قصيدة المدح فمزجها بالطبيعة وصاغها على نسق جديد، كأن يستنطق الزهريات ويصلها بالمدح أو يصف الربيع (ملك الفصول) ويصله بالممدوح، وتجري مدائحه في الأغلب على هذه الطريقة.