وصف الكتاب:
عبر دراسة منهجية مفعمة بروح الإسلام، وراصدة لتجارب غربية في التعامل مع الحالة ـ محل الدراسة ـ حرص الدكتور محمد سيد فهمي ـ خبير العلوم الاجتماعية المصري ـ في كتابه "رعاية المسنين " على تغيير رؤية الأسرة للمسن على أنه عالة عليها، ويحتاج إلى رعاية خاصة على حساب طاقات الشباب المحيطين به. ويرى أن شريحة المسنين في مصر، البالغة أكثر من 8 ملايين مصري، يمكن أن تكون طاقة إيجابية ينتفع بها المجتمع، ويكونون هم أول من يجني ثمارها. مشيرا إلى أن قضية رعاية المسنين" لاقت ـ وخاصة في السنوات الأخيرة ـ اهتماماً عالمياً، لكنها تحتاج إلى مزيد من الضوء الملقى عليها من قبل المؤلفات والأبحاث العلمية.. وهو ما يحققه مؤلف هذا الكتاب، الذي يتناول أوجه هذه المسألة، ما بين صحية واجتماعية واقتصادية.. وأطراف تبدأ بدور المسن نفسه، وتنتهي بالحكومات والجمعيات الأهلية، وكذلك المجتمع المحيط والأسرة؛ باعتبار رعاية المسن منظومة كل فيها له دوره وجهده الذي يتفق ويتضافر مع غيره. ويرى المؤلف أن رعاية المسنين إحدى القضايا الملحة التي فرضت نفسها على الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني في مصر؛ حيث تعمل الدولة على إدراجها ضمن السياسات الاجتماعية والبرامج التنموية، والاهتمام بها، مع توجيه هذه الخطط والسياسات نحو تلبية الاحتياجات الفعلية لكبار السن والتعامل معهم باعتبارهم ضمن القوة الفعالة للمجتمع. وتقدم الدولة خدماتها لهذه الفئة من خلال 188 دارا للمسنين، تخدم 36000 مسن ومسنة. مشيرا إلى أن مشكلة المسن تبدأ في الغالب من ضيق المكان في بيت الأسرة، أو من عدم القدرة على التفرغ لرعايته، أو من الضيق بحالته، أو من رفض زوجة الابن القيامَ بدور في رعاية هذا المسن؛ فزوجة الابن ـ في بعض الأحيان ـ تضيق بالأم أو الأب المسن، وتغري زوجها بإبعاد المسن عن المنزل إلى دور رعاية المسنين. كما إن من أسباب هروب المسن إلى دور الرعاية البديلة المرض، وارتفاع تكلفة علاجه ورعايته؛ فيضطر للإقامة بدور المسنين. مؤكدا حاجة المسن لعناية جسدية ونفسية في هذه المرحلة من العمر. ويعرج الباحث على حرص الإسلام على العناية بالمسن والإنسان عموما بقوله تعالى: ( ولقد كرمنا بني آدم ) (الإسراء: 70). فالإنسان في جميع مراحله محترم ومكرم؛ لقيمته الإنسانية الذاتية، وأمر بإكرامه عند شيبته، وحث على القيام بشؤونه، وهو النموذج الذي جسدته ابنتا شعيب ـ عليه السلام ـ اللتان قالتا: ( لا نسقي حتى يُصْدِر الرّعاء وأبونا شيخ كبير ). (القصص: 23). وقوله سبحانه: (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيراً). (الإسراء: 23 - 24). كما كان كبار السن محل عناية ووصاية من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي قال: "رغم أنفُ، ثم رغم أنف ُ، ثم رغم أنفُ"، قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: "من أدرك أبويه عند الكبر - أحدهما أو كليهما - فلم يدخل الجنة". وقال لرجل استأذنه في الجهاد: "أحَيٌّ والداك؟"، فقال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد ". ومن سماحة الإسلام أنه راعى حق المسن في العبادات أيضا، وأمر من يؤم الناس أن يراعي حال المسنين. قال ـ صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم للناس فليخفف؛ فإن فيهم الضعيف، والسقيم، والكبير. وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء " (رواه أبو داود). وحرص الإسلام على وضع أحكام شرعية خاصة للمرضى في أداء العبادات، وحطّ عنهم الإثم في ترك ما لا يقدرون عليه ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) (البقرة:286). ومن تلك التشريعات ـ أيضا ـ إباحة الفطر في رمضان للمسن والمريض الذي لا يقوى على الصوم، وإذا صام أضر ذلك بصحته، قال سبحانه: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) (البقرة: 184). ورخص الإسلام للمسن المريض التخلف عن صلاة الجماعة، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر " - قالوا: وما العذر؟ قال: "خوف أو مرض - لم تُقبل - منه الصلاة التي صلى " (رواه أبو داود). ويؤكد الباحث على دور الإعلام في التوعية والحث على رعاية المسنين. مقترحا برامج تربوية للناشئة، تقوم ببث الوعي الديني والاجتماعي للعناية بالمسنين، وتقديم المعونة لهم، كما يشدد على دور علماء الدين والاجتماع في غرس فكرة "وجوب رعاية المسنين"، وتنمية الوازع الذاتي الإنساني والديني تجاههم، وعواقب إهمالهم أو إيداعهم في دور المسنين، وقيام الجهات المعنية بإيجاد وسائل وضمانات تكفل للمسنين حقوقهم كاملة - المادية والمعنوية - وتقوم برعاية مصالحهم، وتضمين كل التعاليم الدينية المرتبطة بالوالدين وصلة الرحم، وكل ما يدعِّم التكافل الاجتماعي - الأسري والإنساني - الكتب المدرسية والجامعية؛ حتى تذكر دائمًا بهذا الواجب، وتخصيص صفحات أسبوعية أو شهرية في الصحف اليومية لتتحدث عن المسن وكيفية رعايته، وعلاج أمراض الشيخوخة، و الأغذية المناسبة للمسنين، وإشباع الحاجات النفسية للمسن.. وبجانب الدور الحكومي في رعاية المسنين يرى الباحث أن الجمعيات الأهلية من أهم المؤسسات الاجتماعية التي يمكن لها مساندة العمل الحكومي، والعمل من خلال آليات تنظيمية وهيكلية مستقرة تبدأ من الاتحاد العام للجمعيات على مستوى الجمهورية بالنسبة لمصر، ثم الاتحادات الإقليمية والاتحادات النوعية، وتقوم الدولة بدعم هذه الجمعيات، والعمل على تيسير إجراءات إنشائها، على أن تؤدي هذه الجمعيات الأهلية خدماتها للمسنين في المجالات الصحية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية والتعليمية، في ظل بلوغ عدد الجمعيات الأهلية في مصر 23.2 ألف جمعية.