وصف الكتاب:
يطرح محمد شاهين ثلاثة نماذج من شعراء يمثلون حاضرة الشعر في النصف الثاني من القرن العشرين، وهم بدر شاكر السياب، وصلاح عبدالصبور، ومحمود درويش، وإذ كانت الدراسات السابقة تدور حول إليوت في شعر السياب وعبدالصبور فإن شاهين يضيف في هذا الكتاب محمد درويش نموذجاً آخر تأثر وتحاور مع إليوت يقول د. شاهين «إذا كان عبدالصبور قد نظر إلى إليوت على أنه غاية لم يستطع تمثلها، وإذا كان السياب قد استوعب تجربة إليوت دون التمكن من الذهاب بعيداً في البناء عليها، فقد استطاع محمود درويش أن يتمثل الغاية ويستوعب التجربة، ثم تخطاهما معاً ليظهر كعادته طالعاً بصوته الخاص الذي لا يقل عن إليوت روعة وتميزاً». في بداية الكتاب يستعرض د. محمد شاهين اثر إليوت في العربية بإيجاز ومنذ ظهور تأثيره في منتصف القرن الماضي، مؤكداً ما كتبه العديد من الباحثين عن أثره وترجمات قصائده، مؤكداً دور كتابات كل من ماهر فريد، وجبرا إبراهيم جبرا في التعرف إلى تجربة إليوت دون أن ينسى ما ترجمه كل من يوسف يوسف، وعبدالواحد لؤلؤة، ولويس عوض، إضافة إلى العديد ممن اهتموا بنتاج هذا الشاعر، ولكنه يحاول في هذا الاستعراض أن يحلل ويقارن ما بين الترجمات المختلفة، ثم مدى استيعابها عند الشعراء العرب مقدماً أنموذجان مهمان لمدى فهم إليوت وهما عبدالصبور والسياب، ويضيف لهما أنموذجاً أكثر فهماً على حد قوله بشعر أليوت هو محمود درويش الذي يجد فيه الباحث العمق الأساسي في هذا التأثير حتى أنه يقول بشيء من المبالغة «إنك حين تقرأ محمود درويش مثلاً كأنك تقرأ إليوت، وتقرأ أليوت كأنك تقرأ درويش، ويذكرنا أحدهما بالآخر كما يذكرنا شاعر عظيم بآخر في الرفعة والسناء، ويشكل واحدهما صدى للآخر، لا مصدراً ينهل منه». ثم ينتقل د. محمد شاهين إلى عبدالصبور، ويبدأ دراسته من خلال دراسة سابقة للدكتور عز الدين إسماعيل عن قصيدة «لحن» لصلاح عبدالصبور، ويبدأ الباحث من هذا المدخل للسفر في قصائد عبدالصبور، ويتعامل معها نقداً، وتحليلاً، ودلالة، ومقارنة بينه وبين إليوت، مفتشاً عن الخلل في هذه العلاقة، باحثاً عن مواطن التأثير، ومدى الأثر، وما أثمرته هذه التجربة، حتى أن شاهين لم يترك بيتاً أو مصطلحاً أو تعبيراً أو كلمة دون أن يخضعها لدراسته، هو سفر طويل، وتحليل نقدي يعتمد النص منطلقاً حتى أنه يقول ماذا فعل عبدالصبور بإليوت؟ لقد أخذ ما أخذه من شعره وصوراً قدمها إلينا في قصيدته نثراً بالطريقة التي فهم بها الصور وهذا هو الخلل الرئيسي في عملية التأثر والتأثير، وذلك أن براعة إليوت تتجلى في التعبير عن الأزمة من خلال صور تشير إلى ما هو محسوس ولا تكشف عما هو مكنون. ثم يتناول شاهين أنشودة المطر لبدر شاكر السياب، ليقدم دراسة نقدية مقارنة عن علاقة شاعرين كبيرين إليوت والسياب، ويجد أن السياب كان أكثر فهماً وعمقاً من عبدالصبور، وأنه استطاع أن يخلق من هذه العلاقة والفهم أنشودة خالدة في الشعر العربي المعاصر، مشيراً إلى نهجي عبدالصبور والسياب، في التأثر بإليوت وهي دراسة مقارنة نقدية، إضافة إلى نقاط اللقاء بين الأرض اليباب وأنشودة المطر، وقدرة السياب على الغور في أعماق إليوت وفهمه من زوايا يشك الباحث في فهمها من الشعراء العرب غير السياب يقول د. شاهين بمهارة الشاعر الفذ، استطاع السياب أن يقتنص تلك اللحظات ويطوع الإيقاع فيها إلى حاجته واستعداده، وعلى هذا النحو، استطاع أن ينهج نهجاً مغايراً، لعبدالصبور الذي استعار المضمون فضاع منه الإيقاع، وأصبحت قصيدته شتاتاً لا يجمع بين أجزائها المختلفة ذلك الإيقاع اللازم للم الشتات. ويواصل الدكتور شاهين تلك المقارنة النقدية ذات الأبعاد الثلاثة، إليوت، عبدالصبور، السياب، وأشكال التأثير وطبيعته واختلافه، بين الشاعرين الكبيرين، على الرغم أننا نجد أن الباحث يميل بحدة إلى السياب كونه خرج من عباءة إليوت ليشكل خيمته، إذ يقول عنه: يمكن لنا أن نرى في السياب ما نراه في إليوت، تجربة حية نحس بها في الصوت أولاً ثم في الصدى ثانياً، نمثل أمامنا صورة لا قولاً يظل عاجزاً عن التجسيد والتمثيل وهذا هو الفرق بين شاعر يقول وآخر يجسد الصورة لتنوب عنه، وكأنها أسطورة تتمثل التعبير الكلامي المجرد الذي تذروه الرياح بدونها، بينما يظل التأثير بالصورة خالداً وكأنه الحياة نفسها تجلي نفسها أمام الأحياء. ويخصص شاهين قسماً للشاعر محمود درويش وما يطرح من عواطف جياشة في قصيدته والعقلانية التي تغطي تلك العواطف، ليفرق بين هذا الصوت وشاعرين جليلين يحتلان مكان الصدارة في هذه التداعيات فيجيئان سراعاً، ويحومان حول الجدارية عند قراءتها، وهما بودلير وإليوت، متنقلاً إلى وعي درويش الذي جعله متداخلاً ومنساباً بين الوعي الفردي والوعي الجماعي، وتشابك العام بالخاص، ثم عملية التوصيل بينه وبين المتلقي الذي يمتاز به درويش بامتياز، على أنه يعيدنا إلى المتوازيات بين درويش، وإليوت، وبودلير، وغيرهما من شعراء كبار على مستوى العالم. يقول د. شاهين عن هذه العلاقات ومهما يكن من أمر التأثير والتأثر بين محمود درويش وغيره مثل إليوت، فالنتيجة أن محمود درويش أشبه بطيف مارد يتسلل إلى إليوت من النافذة، وفي النهاية يخرج من الباب الرئيسي وقد أصبح على يديه مارد طيف لا تتسع له أي نافذة، وربما لا نبالغ لدى القول ان دراسة مقارنة بين محمود درويش وغيره من كبار الشعراء يكون التنوير فيه متبادلاً، وأن قراءة جدارية محمود درويش وأغنية جي الفريد بروفروك معاً تعين على استيعاب إليوت مثلما تساعد على فهم محمود درويش.