وصف الكتاب:
إن أعظم ما يُمتع العاقلَ ويتلذَّذُ به هو العلم، والعلمُ تتفاوتُ درجاته وتتمايز مراتبه بحسب متعلَّقه، فإن عَلَت رتبة المعلوم والمتعلَّق وشرُفت، علت رتبةُ العلم لعلوِّه وشرُفت لشرفه، وإن سفلت رتبة المعلوم والمتعلَّق وهانت، سفلت رتبة العلم وهانت. وعليه فأعظمُ العلوم وأجلُّها علمُ التَّوحيد، بل هو المقدَّم عليها ورأسُها، لأنُّه يبحث في ذات واجب الوجود - الله -، فبه نتعرَّف على ذات الله وصفاته وأفعاله، من حيث ما يجب له وما يستحيل وما يجوز. والجديرُ بالعاقل عموماً وبطالب العلم خصوصاً، أن تتعلَّق همَّته بما علت رتبته وشرفت، ليعلو بذاته وقدره ومكانته ويشرف، فيقرأ ويطالع كتب علم التَّوحيد، متنقلاً في ذلك من حفظ المتون وإتقانها، وقراءةِ المختصرات وفهمها، إلى مطالع الشُّروح والحواشي، لا سيَّما تلك المتون التي تلقَّاها العلماء بالقَبول فحفظوها وأمروا بحفظها، وتلك الشروح التي عكف العلماء على دراستها وإقرائها لما فيها من غزير علم وعظيم فائدة، وبذلك ينتقل الطَّالب من حضيض التقليد إلى أعلى رتب الإيمان، فيعبد الله تعالى على أساس متين، ويتحقَّق فيه قوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾، قال ابن عباس رضي الله عنهما: إلا ليعرفون، ويدفع عن نفسه وغيره من أفراد المسلمين شُبَه المشبِّهين وضلالّ المضلِّين، فيعصم نفسه ويكون سبباً لعصمة غيره. ومن بين الكثير من المتون التي جمعت ما يجب على المكلَّف اعتقاده متن العقائد، لمؤلِّفه نجم الدين عمر بن محمد النّسفي، وهو متن نفيس جدّاً، أقبل عليه الكثير من العلماء، بين شارح له ودارسٍ وقارئ وناظم، بل تصدَّى لشرحه وبيان فوائده شيوخُ العلماء ورؤساؤهم، فكان من بينهم العلاَّمة سعيد الدِّين مسعود بن عمر التفتازاني، حيث شرح الكتاب شرحاً وافياً، وبيَّن من خلال شرحه عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة مدعومة بالحجج والبراهين، وأورد الكثير من شُبَه الفرق الضَّالَّة التي خرجت عن سنن أهل السُّنَّة والجماعة، وردَّ عليها ردوداً علميَّةً منقطعة النَّظير، فكان من أجلِّ الشًّروح على متن العقائد. وكأنِّي بالعلاَّمة السَّعد رحمه الله قد صنَّف هذا الكتاب لطبقة، خاصَّة من طلاَّب العلم - وهم الذين قرأوا الكثير من كتب علم الكلام وما يتَّصل بعلم الكلام - لذا وجده كثيرٌ ممَّن يحرصون على قراءته ومطالعته عزيز الفهم صعب المنال، حتَّى قال أحد العلماء المعاصرين - وقد أخبر أنَّ فلاناً يُقرئ هذا الكتاب -: لا أظنُّ أنَّ أحدا في هذه الأيَّام قادر على إقراء هذا الكتاب. هذا الكلام وإن كان فيه شيء من المبالغة، إلاَّ أنَّه يحمل في طيَّاته حقيقة، وهي أنَّ الكتاب يحتاج في كثير من مواضعه إلى إيضاحات وأمثلة وبيانات تخرجه عن غموضه وعزيز فهمه، يعرف ذلك من قرأ الكتاب أو أقرأه.