وصف الكتاب:
المعنى إشكال مركزي في اللغة والفكر الإنساني، فلذلك اجتذب عنصر المعنى اللغوي تيارات فكرية ومعرفية متعددة، وتاقت إلى بلوغ كنهه والإحاطة بعناصره أصناف العلوم الإنسانية، كل يروم ماهية المعنى وحقيقته، فتأسست بذلك نظريات المعنى اللغوي على اختلاف مرجعياتها، ويظل النحو العربي أقوى علوم اللسان العربي المؤثرة في تشكل المعنى، ذلك أن (علم النحو) أو (صناعة العربية) نسق معرفي عمل على اكتشاف أنظمة العربية وقوانينها، واستنسخ في قوالب علمية أنساق اللغة الفطرية التي بها نزل القرآن الكريم، وانتهض علم النحو بوظيفة تمييز الكلام المستقيم من المحال، ومن غير نحو تظل المعاني مستغلقة عن الفهوم، فلا سبيل إلى فهم أي نص وبلوغ معناه وفحواه ما لم يسلك في ذلك سبيل علم النحو، الذي هو انتحاء سمت كلام العرب، وبهذا الاعتبار يقع المعنى في قلب الدرس النحوي العربي. انطلاقا من هذا المِهاد، انبرى ثلة من الأكاديميين المتخصصين إلى كشف اللثام عن طبيعة العلاقة بين الصناعة النحوية وتَشَكّل المعنى في الثقافة الإسلامية، في محاولة لتجاوز الصورة المعيارية التي ألزمت النحو العربي أن يتمظهر في قواعد جامدة لا روح لها. وكان مبتدأ هذا المشروع العلمي إيضاح أوجه الارتباط بين علم النحو وصناعة التفسير من خلال إعمال يد البحث النظري في المشروع الدلالي لأبي زكريا الفراء ت 207هـ وأبي بكر الزجاج ت 311هـ . ثم تتابعت الأبحاث الموضحة لأثر علم النحو ومباحثه في بناء المعنى وفق خطة تطبيقية، هدفها استدعاء فروع معرفية لها وثيق الصلة بالتحليل النحوي، وإخراجها إلى حيز التجلي، فكان بذلك الكشف عن قضايا التوليد الدلالي، والسياق، والمدخل القرائي، والشواهد الشعرية. وقد كان مَأَمُّنَا في هذه الدراسة الإبانة عن فاعلية النحو وقدرته على تصويب الفهم، ودرء الالتباس في عملية التواصل كلما وقع الزيغ عن احتذاء سنن العربية، فهو الكفيل بتقويم اللسان وضبط استراتيجيات التأويل السليم، بعد انقضاء زمن العربية الفطرية.