وصف الكتاب:
النقد عملية وصفية تبدأ بعد عملية الإبداع مباشرة، وتستهدف قراءة الأثر الأدبي ومقاربته قصد تبيان مواطن الجودة و الرداءة فيه، والناقد كالصيرفي مهمته كشف الجيد من رديء الشعر. وظيفة الناقد الجاد هي صقل الإبداع الشعري وتمحيصه رقيَّا به نحو مواطن الجودة والجمال.وترتبط وظيفة الناقد غالبا بالوصف والتفسير والتأويل والكشف والتحليل والتقويم. وقد تفطّن نقادنا القدامى إلى هذه الوظيفة السامية للنقد الأدبي، وكانت قصتهم مع النقد قد بدأت بتلك المحاولات الجزئية لتذوق النصوص والأشعار، وكان ما يجري في سوق عكاظ منطلقا للعملية النقدية في مرحلة التأسيس. وكانت أول قضية عالجها النقد العربي قصية الفحولة الشعرية من خلال، كتاب الأصمعي"ت216هـ" والذي دونه تلميذه من بعده أبو حاتم السجستاني"248هـ ثم عرف النقد العربي مرحلة التنظير مع نقاد أعلام كابن سلام الجمحي"231هـ" في كتابه "طبقات فحول الشعراء" الذي أشار فيه إلى قضية الانتحال ودوافعها والرواية الشفوية وأثرها في في الشعر، ثم يأتي بعده الجاحظ"ت255هـ" ليثير مشكلة ثنائية اللفظ والمعنى ويحدث جدلا لم ينته حول هذه القضية إلى يوم الناس هذا، ويذهب ابن قتيبة"ت276هـ" في كتابه الشعر والشعراء منطلقا من ثنائية اللفظ والمعنى ليحدّد أضرب الشعر ويوضح علاقة الألفاظ بالمعاني، ولم ينظر إلى تعريف الشعر كمصطلح نقدي كما فعل الجاحظ، لكنه وضَّح مكوناته وعناصره وأقسامه وأضْرُبه، معتبراً النقد كالعلم، له قيوده وقواعده العامة. وأما ابن طباطبا العلوي" ت 322 هـ"في كتابه عيّار الشعر فقد نظر إلى الشعر على أنه صناعة، واهتمُّ بالشعر في ذاتِه بوَصْفِه بنيةً لغويَّةً منتظمة ًعلى أساس من الطَّبْع والذَّوْق. ثم تدرّج النقد في مرحلة التنظير مع قضية الموازنات النقدية مع الآمدي"ت370هـ" والقاضي الجرجاني"ت392هـ" في كتابه "الوساطة بين المتنبي وخصومه" ثم قضية عمود الشعر التي أبان عن حقيقتها المرزوقي"421هـ" في كتابه شرح حماسة أبي تمام.وبلغ النقد العربي مرحلة النضج والكمال مع نهاية القرن الخامس الهجري حين وضع الإمام عبد القاهر الجرجاني "ت471هـ" نظريته في النظم الذي توّج بها آراء من سبقه من النقاد والبلاغيين، وكانت نظرية النظم ليست نظرية في البلاغة فحسْب بل هي نظرية شاملة لعلم النحو والنقد والبلاغة.