وصف الكتاب:
حين تبلغ شخصية ما حجماً نادراً، فيبدو مسار العالم والحياة كما لو كان يتناغم معها، ويتوقف لا للحظة بل لحقبة، وأكثر، على الوزن الذي تلقي به في هذا الاتجاه أو ذاك، عبر الآفاق التي تفتحها القدرة الرؤياوية لديها، واستشرافها للمستقبل، عن طريق فكرها الخلاق ونهجها وطاقتها على الحركة والفعل، وطاقتها بالتالي على تحريك الجموع الهائلة في اتجاه ذلك المستقبل العظيم، حينذاك تفقد كل "الحصانة" التي يتمتع بها الغفل من الناس، وتصبح ـ ويا للمفارقة! ـ في متناول الجميع، سراً وعلانية، يحكمون عليها الحكم الجازم، سواء خطأ أو صواباً، وينزلونها من خرم إبرة النقد، الذي غالباً ما يستسلم لإغراء السهولة، وكثيراً ما يتأثر تأثراً حاسماً بالدعاوة المسبقة للقوى السائدة. ويميل للخضوع للرائج والشائع، ضمن نوع من الامتثالية التي تلامس الابتذال. وإذا كانت شخصية تاريخية بحجم ليون تروتسكي، أحد قائدَيْ أعظم ثورة في عصرنا، بلغت أرفع درجات التألق عبر المسيرة الظافرة حيناً، والمحبطة حيناً آخر، للملايين من عبيد هذا العصر على طريق تحررهم، وتحرر البشرية جمعاء، فلقد تعرضت كذلك، في حياتها كما في مماتها، لا فقط لأشرس هجمات الثورة المضادة، المعنوية والمادية، بل كذلك لأبشع عملية تشويه لإحدى أنصع الصفحات في التاريخ الثوري الخاص بمن امتلكوا القدرة على الصناعة الحية للتاريخ. وإذا كان المسؤول الأساسي عن هذه الهجمات، وعمليات التشويه تلك، هو ستالين بوجه خاص، والستالينية عموماً، بما هما تعبيران فظان عن الجانب المحبِط في ثورة أكتوبر، فقد انتظرت الأجيال، التي تعايش التحولات العظيمة لعصرنا، حتى ما بعد وفاة ستالين بسنة، كي يظهر أول عمل جدي ونزيه يحاول التصدي بفعالية للأسطورة المشوهة بالحقيقة الناصعة والنظيفة المتمثلة بحياة تروتسكي وأفكاره وأفعاله. هذا العمل قام به اسحق دويتشر، الذي ظهر له عام 1954 الجزء الأول من مؤلف ضخم خصصه لسيرة ليون تروتسكي هو أقرب ما يكون إلى التكامل، رغم بعض العثرات والأخطاء في الحكم على بعض الجوانب في شخصية تروتسكي وممارساته. والجزء هذا بعنوان: "النبي المسلح"، ويتناول حياة تروتسكي ما بين عام مولده، في 1879، وعام 1921. في هذا الجزء، كما في الجزأين الآخرين، اللذين صدرا فيما بعد[1]، بذل دويتشر جهوداً جبارة ليعيد تكوين تفاصيل السيرة الحقيقية لليون تروتسكي، بعد أن سطا "لصوص المقابر" على ضريحه. يقول في مقدمة كتابه: