وصف الكتاب:
تعتبر هذه الرحلة علامة أدبية وتاريخية وضعها أبو الثناء الألوسيّ الكاتب ومفتي بغداد في النصف الأول من القرن التاسع عشر. وحسب السجل التاريخي للأدباء العرب في العصر الوسيط والعصور المتأخرة، فإن أبا الثناء الألوسي يمثل امتداداً طبيعيا للمثقف الإصلاحي، وهناك من يعتبره علامةً فارقةً في السياسات الثقافيّة في العصر العثمانيّ، وهو، وفقَ هذا التوصيف، يشكل امتداداً لمُثقّفي السلطة الأوائل بدءًا بعبد الحميد الكاتب (ت 132 هـ)، وابن المقفّع (ت 142 هـ)، والجاحظ (ت 255 هـ)، وأبي حيّان التوحيدي (ت 414 هـ). لا سيما أنْ الألوسي ظفر بتوقير الوزير العثماني علي باشا الذي امتدّت ولايته على مدينة بغداد إحدى عشرة سنة (1831 – 1842)، وهو ما مكنه من أن يشكل جسراً بين الإصلاحيين والسلطنة العثمانية في بداية عهد الإصلاحات التنظيمية، وبفعل ذلك حقق مكانة رفيعة بين مثقفي عصره في الثقافة العربية، ما جعل بيته قبلة روّاد العلم والشّعر وتهافت عليه الطّلاب من كلّ صوب. كما أنّ شهرته فاضت خارج بغداد وانتشر أثرها في الآفاق؛ فراسله أدباء عصره وعلماؤه من سائر الأقطار والأمصار العربيّة والإسلاميّة، وحظي بمدح عدد من شعراء عصره. من المهم أن نشير إلى أن هذه الرحلة، التي قام بها الألوسي إلى الآستانة، إنما جاءت في فترة كان قد خبا فيه نجم سعده وزالت عنه الحظوة، فقد نزع عنه منصب الإفتاء، وبات جليس بيته يؤلف الكتب، وذلك بفعل أفعال الوشاة والحاسدين الذين أوغروا عليه صدر السلطنة العثمانية، حتى سلبوه مكانته لديها. لكن نص رحلته يجعلنا على بينة من بأس هذه اللغة ومكانته عند نفسه. فهي نص يمكن أن يعتبر تحفة أدبية في السرد. وعلى رغم لجوء صاحبها إلى فن المقامة ولغة المقامة في السرد، إلا أن لغته رائقة وبعيدة عن التكلف إلا في مال ندر. وقد استطاع أن يرسم لنا صورا قلمية بديعة عن المناظر والوقائع عبر ملاحظات حرة وفائقة الجمال لغويا. وقد منح عليها محققها جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة -فرع تحقيق المخطوطات، لما بذله من جهد علمي وأدبي في تحقيقها ودراستها، والكشف عن بعض غوامضها لتكون في متناول القراء العرب ومحبي هذا اللون الأدبي.