وصف الكتاب:
يقول عبد الله جمعة ضمن المقدمة: "باختصار، هي ذات الأفكار التي عني بها الانسان على مر العصور، والتي يعني بها الانسان اليوم، وأحسب أنه سيظل يعنى بها حتى نهاية هذا العالم. تقرر هذه الملحمة، أن الانسان، وان ظن غير ذلك، أشبه ما يكون بكرة خيوط الصوف الملونة المتداخلة والمتشابكة. حيث يحاكي اختلاط تلك الألوان والخيوط اختلاط المتناقضات في قلب كل انسان: الحب والكراهية، القوة والضعف، والتعفف والجشع، والتواضع والكبرياء، والأمل في الخلود والخوف من الموت، إلى غير ذلك مما لا يحب البشر أن يفكروا فيه، أو يعوه، والتي عبر عنها القرآن الكريم بقوله سبحانه وتعالى: "أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة". وأضاف "كان البطل جلجامش ذا فضائل جمة، وفي الوقت ذاته كانت رذائله لا تقل عن فضائله. إن قام بالخير، كان خيره بلا حدود. وإن أضمر الشر، كان شره بلا حدود. كان المحارب الشرس، الجسور. وكان في الوقت ذاته الفنان وباني الاسوار التي تقاوم عاديات الليالي. هالت شعبه وسامته وعظمته، فاعتقدوا انه من طينتين بشرية وإلهية معا. أحبوه أغدق عليهم من كرمه. وكرهوه عندما قام بأبشع الأعمال، لم يكان هناك مكان وسط في قلب ذلك المخلوق!!. لكن أحداث الملحمة جعلت منه بطلا مأساويا بامتياز. أودى الموت بأنكيدو، صديق جلجامش وتوأم روحه. وما إن قضى إنكيدو، حتى ملك هاجس الموت نفس جلجامش. خلف جلجامش وراءه الملك والقيادة وكل عزيز وانطلق يبحث عن الخلود، وعن واحد من بني البشر، قيل ان الارباب اصطفته لينعم بحياة الخلد. جلجامش هذا المحارب الفذ، الذي سيطر على أهل بلدته أوروك، وصنع بهم مالا يليق بملك أن يصنعه بشعبه، وتغلب على من اصطفته الآلهة، وصرع حارس بوابة غابة الأرز المارد، وجد نفسه في أضعف حالاتها عندما صرعته أنامل النوم. هذا المحارب الصنديد فقد في غفلة منه شيئا غاليا امتلكه بعد عناء!! سرقه منه ثعبان لا يزيد طوله على شير أو شبرين. محور هذه الملحمة هو المأساه الوجودية التي يعيشها بعض البشر، يفخرون بعظمتهم ويسكرون بخمر السلطة ويأملون بديمومة الحال وهم الضعفاء الذين لا يقدرون على أن يغالبوا سلطان النوم. هؤلاء الذين يأملون في العيش الطويل في رغد وهناء، ولكنهم في ذات الوقت يمتلئون خوفا من أن "يلاقوا يومهم الذي يوعدون"، هذه هي مأساة جلجامش!! هذه هي مأساة كل البشر". ويقول جمعة في المقدمة التي شرح فيها حيثيات الترجمة "تخرجت في الجامعة، وعملت في أرامكو السعودية. وأثناء مهمة عمل عام 1970، في المدينة النفطية بقيق، بدأت ترجمة هذه الملحمة إلى اللغة العربية. وما حداني إلى ذلك هو أنني أولا، تأثرت كثيرا بالابعاد الانسانية لهذا العمل الأدبي. ثانيا، شعرت بأن هذه القصيدة الملحمية التي كتبت باللغة السومرية أصلا، لا بد وأن تكون قد كتبت بلغة شعرية راقية ليكون اثرها كبيرا بين قرائها، وهذا ما لم ألمسه في الترجمة الإنجليزية للملحمة التي اعتمدتها للترجمة إلى العربية. وتوقفت عند منتصف النص لأكثر من خمس وعشرين سنة. ثم لما أصبحت رئيسا لأرامكو السعودية، اضطرتني التزامات العمل إلى أن أسافر في رحلات جوية طويلة، لذلك صرت أرّوح عن نفسي عناء طول السفر بمواصلة ترجمة هذه الملحمة. وبعد تقاعدي أعدت النظر في الترجمة، وأدخلت عليها كثيرا من التعديل والتغيير، في اللغة وليس في المضمون. لقد حاولت أن أضع النص الشعري في ثوب جديد، مستفيدا من غنى اللغة العربية وجمالها. لم أتصرف في سياق النص، بل عرضته كما هو على قدر ما قسم الله لي من معرفة بعمق الدلالات في اللغة العربية، فأنا من قديم عاشق لهذه اللغة، كما تتجلى في بهاء القرآن الكريم وفي فصاحة الحديث النبوي الشريف، وفي ما بقي لنا من شعر وروايات أدبية". وقال "النص الذي ترجمته والمكتوب باللغة الانجليزية، كان محاولة من كاتبته السيدة ن. ك. ساندرز لأن تقدم قصة جلجامش بسرد مطرد. فهي لم تترجم الرواية السومرية على شكلها الأصلي المملوء بالثغرات، جراء تكسر الألواح التي كتبت عليها الملحمة، بل استندت إلى ترجمات متعددة لألواح الملحمة من اللغات الانجليزية والالمانية والفرنسية. وهو نص نثري متصل، لا يأبه بما لحق بالأصول من تشوهات، وهو يقدم للقارئ غير المتخصص في علوم الآثار، نصا يستطيع معه أن يقوم الأفكار المطروحة في العمل الأدبي.