وصف الكتاب:
يقول المؤلف في تقديمه للكتاب “إن الكثير من الدراسات التي جرت حول الرواية العربية كانت تكتفي برصد هذه الرواية من الخارج وعلاقتها بالتطور الاجتماعي فقط، دون أن تتكلم عن الرواية العربية من الداخل”. ويرى أن مشروعا شاقا من الكلام عن الرواية العربية وأصولها قد شغل الكثير من النقاد والباحثين، الذين كرسوا كتاباتهم للبحث عن جذور هذه الرواية لكنهم توقفوا عند محاولة فك رموز كل عمل روائي بشكل مستقل لمعرفة قيمته الأدبية الخاصة، ولم يقطعوا شوطا بعيدا في محاولة اكتشاف خصوصيات الرواية العربية ومعرفة ما يروم إليه كل كاتب روائي وعلاقته بجيله وذلك الذي سبقه، من جهة، ثم مدى صلته بالتقاليد الأدبية السائدة وأثر ذلك في رؤيته الخاصة للعالم من جهة أخرى ويورد يونس رواية “زينب” للكاتب محمد هيكل، ومدى تأثر الروائي بالكاتب جان جاك روسو. ويتساءل هل كتب هيكل الرواية بوصفه روائيا يكرس نفسه لهذا الجنس الأدبي دون غيره، أم أن وضعا خاصا دفعه أو أرغمه على كتابة هذه الرواية؟ ويؤكد يونس أن الدافع الأول لكتابة “زينب”، هو “الحنين إلى الوطن حين كان المؤلف يعيش في باريس”. ويضيف أن الكتابة هي “محاولة الوصول إلى يقين آخر يختلف عن اليقين اليومي المألوف”. ويبين أنه ليس هناك من موضوع يتواءم مع جنس الرواية مثل موضوع “العشق: الاثنان، الرواية والعشق”، هما بحثان متواصلان عن يقين ما، هذا اليقين هو البعد التراجيدي للرواية وهو بعد تعلمته -الرواية- من المسرح، إلا أن اليقين في الجنس الروائي يصطدم مع المألوف الذي يظل هو الأقوى، فتضطر الرواية بذلك للعودة إلى المحطة الأولى التي انطلقت منها. ويرى يونس أن هذا الشرط أصبح أمرا “تقليديا مع بدايات الرواية العربية التي تأثرت بالرواية الأوروبية. فالرواية هي الاختلاف مع المألوف والانحراف عن الخط المستقيم، الذي يهيئ للروائي فرصة مختلفة لا تتحقق في الواقع اليومي”. ويقول يونس،”إن الواقع اليومي لرواية زينب يتمثل بتقاليد الريف التي تتحكم كليا بسلوك الشخصيات”. ويشير إلى أن هيكل حاول أن “يضفي طابعا رومانتيكيا على رواية ريفية مصرية في بدايات القرن العشرين، وكان لا بد له من البحث عن فتاة قروية ساذجة مثل زينب، وبعد أن عثر على مواصفاتها صنع قصة الحب التي ربطت بينها وبين إبراهيم، الذي أحبته دون سواه وفضلته على رجلين آخرين، هما حامد -ابن المدينة- وحسن الذي تزوجته رغما عنها. ويقول يونس إن الريف في رواية هيكل كان إطارا خارجيا قبل كل شيء، أما الموضوع الذي هيمن على الريف فكان موضوعا روائيا وحضاريا توضحت فيه أصول تلك الرواية ذات الصلة الوطيدة بعمل روسو هيلوبييز الجديدة، إذ ماتت بطلته دون أن تتزوج من الرجل الذي أحبت، بل تزوجت من رجل آخر. ويبين الفرق الشاسع فيه بين الريف في رواية “دعاء الكروان” طه حسين وبين الريف في رواية “زينب” حيث يرى أن زينب رواية “ريفية خالصة”، وقد هيمن فيها الريف وتحكم بشروطها أما “دعاء الكروان”، فعلى الرغم من حضور الريف فيها، إلا أن “المدينة هي التي تتحكم ببنائها، فابن المدينة الذي غرر بهنادي الفتاة الريفية هو الذي يرسم طريق دعاء الكروان ويتحكم بمسيرتها بشكل ملحوظ”. ويؤكد يونس أن الريف تطور كثيرا من رواية هيكل إلى رواية طه حسين، وقد حاول الثاني بشكل خاص ان يصنع بطلا ذكرا من المدينة وبطلة من الريف، ليحتدم الصراع بين البطلين ولكي يهيمن الحب ثانية على الريف وعلى المدينة في آن واحد. وعن قيمة نجيب محفوظ يقول يونس “إنها تكمن في قدرته على أن يصنع من الرواية عالما بمعادل موضوعي شديد الإقناع، فلو لم يبدأ الروائي خطوته الأولى، أي تلك التي صنع فيها مجتمعا مصريا في رواياته الاجتماعية، لما كان مقنعا بالشكل نفسه في مرحلته الفلسفية اللاحقة بشخصياتها المتفردة”. ويضيف “من الصعب أن “نقرأ محفوظ بدءا من مرحلته الفلسفية دون المرور بمرحلته الاجتماعية، التي تمثل الخلفية الواضحة للمجتمع الذي سينشق عنه بعد حين شخوصه في “الطريق” و”الشحاذ” و”ميرامار”. ويقول “نستطيع أن نستوعب شخصياته المنشقة ببساطة، في مرحلته الفلسفية”. ويلفت إلى أن بناء الرواية الاجتماعية يختلف كثيرا عن بناء الرواية الفلسفية، إذ قد يتوقع القارئ ردود أفعال الشخصيات المتطابقة مع مجتمعها في الأعمال الأولى لمحفوظ دون أن يفعل ذلك مع الشخصيات المتناظرة مع وسطها الاجتماعي في المرحلة الفلسفية اللاحقة. ويتابع يونس:” إن بعض الشخصيات غير المتطابقة -من الخارج- في المرحلة الاجتماعية مع وسطها الاجتماعي الصغير -العائلة- تحاول أن تجد لنفسها تطابقا من نوع آخر مع الوسط الاجتماعي الكبير.