وصف الكتاب:
أسلوب القرآن الكريم يتميز بخصائص جمة، يُلهِمُ كل من أخلص في دراسته بالوقوف على جانب من أسراره، وقد وصفت عبارات الشيخ الزرقاني أهم خصائص هذا الأسلوب بقوله: "إن القرآن تقرؤه من أوله إلى آخره؛ فإذا هو محكم السرد، دقيق السبك، متين الأسلوب، قوي الإتصال، آخذ بعضه برقاب بعض في سوره وآياته وجمله، يجري دم الإعجاز فيه كله من ألفه إلى يائه، كأنه سبيكة واحدة، ولا يكاد يوجد بين أجزائه تفكك ولا تخاذل، كأنه حلقة مفرغة، أو كأنه سمط وحيد وعقد فريد يأخذ بالأبصار، نُظِمَت حروفه وكلماته، ونُسِقَت جمله وآياته، وجاء آخره مساوقاً لأوله، وبدأ أوله مواتياً لآخره"، هذا نص واحد من نصوص عديدة تكشف عما يملكه هذا النص المعجز من عوامل تحمل الباحثين على دراسته؛ بغية الوقوف على بعض أسراره. وتأتي هذه الدراسة في قطعة من قطع القرآن الكريم دفعني إلى دراستها عبارات نسجها د. عبد الله دراز، إذ يقول: "وتقرأ القطعة من القرآن الكريم، فتجد في ألفاظها من الشفوف والملاسة والإحكام، والخلو من كل غريب عن الغرض ما يتسابق به مغزاها إلى نفسك دون كد خاطر، ولا إستعادة حديث، كأنك لا تسمع كلاماً ولغات، بل ترى صوراً وحقائق ماثلة، وهكذا يخيل إليك أنك قد أحطت به خبرا، ووقفت على معناه محدوداً - هذا ولو رجعت إليه كرة أخرى لرأيتك منه بإزاء معنى جديد غير الذي سبق إلى فهمك أول مرة، وكذلك حتى ترى للجملة الواحدة أو الكلمة الواحدة وجوهاً عدة، كلها صحيح أو محتمل للصحة، كأنما هي فص واحد من ألماس يعطيك كل ضلع نمه شعاعاً؛ فإذا نظرت إلى أضلاعه جملة بهرتك بألوان الطيف كلها؛ فلا تدري ماذا تأخذ عينك وماذا تدع، ولعلك لو وكلت النظر فيها إلى غيرك رأى منها أكثر مما رأيت، وهكذا تجد كتاباً مفتوحاً مع الزمان يأخذ كلّ منه ما يُسرِّ له، بل ترى محيطاً مترامي الأطراف لا تحده عقول الأفراد ولا الأجيال". وهذه الدراسة تحاول تجلية هذه الخصائص في قصة صاحب الجنتين.