وصف الكتاب:
المكتبة انعكاس العالم، كنوز الجمال، الذاكرة، وهي الماضي المؤثر في تكوين اللحظة والحاضر، النبؤة المتعلقة بالمستقبل، المتاهة، المقاومة، المعرفة والتمرد، كل هذه التأويلات معطاة للمكتبة في رواية خيري الذهبي بعنوان “المكتبة السرية والجنرال”*. تطالعنا الأسطر الأولى من الرواية عن المكتبة المخادعة، يدربنا الكاتب على رؤية المكتبة برموز متعددة سترافقنا بتنوعها وبتجلياتها: “المكتبة ليست مكتبة فحسب، بل ذاكرة بحجم مدينة متخفية مستترة تحت الأرض”. رغم أن أحداث الرواية تجري في الزمن الحاضر لسورية، إلا أن الحبكة الأولية التي تقدمها، تشبه تكوين الحكايات الشعبية المحملة بالرمزية والإسقاطات، حيث الجنرال الحاكم يكتشف أن نبؤة موجودة في كتاب “الجفر”، هي نبؤة الأدوار، وتعني زمن سنوات الحكم، تحدد له ولسلالته 40 عاماً. إذاً، فالروائي اختار أن يضع الحقيقة في كتاب، فيعلي من قيمة الكتب والمكتبات، ويفتح جدلية العلاقة بين السلطة المعرفة. وردت تقارير إلى الجنرال عن الهمس الذي كاد يتحول صراخاً، بأن دوره ودور سلالته سينتهي خلال سنوات، فيأمر بجمع نسخ “الجفر” واستبدالها بعد حذف هذه النبؤة من صفحاته. فجأة يتحول “الجفر” من كتاب يطبع سراً ويباع تهريباً، إلى كتاب ترغب السلطة في ترويجه، فيتوزع في كل مكان. النسخة الجديدة تخيب أمل الناس ومسلوبة الأمل بالخلاص من خلال زوال الطاغية، وفي مجريات الحكاية اللاحقة، نجد أن المكتبة السرية التي تحتوي النسخة الأخيرة من كتاب “الجفر” الأصلي الحامل للنبؤة، وهي مكتبة عائلة (اليازجي) محمية بقوى عُلوية أو ماورائية، فكلما حاول رجال الجنرال الإقتراب أو الوصول إليها، حلت بهم الكوارث “كانت الأشباح تتسلل إلى البيت في أواخر الليل فتحمل الجثث المتجرئة على سر المكتبة المحرمة على الغرباء”. فيضطر الجنرال ليلجأ إلى حيل جديدة لدخول المكتبة، وهنا نتابع حكاية ثانية تعبر عن العلاقة بين السلطة والإعلام. فلأجل سرقة الكتاب، يقرر رجالات الجنرال إفراغ المدينة من المارة وعابري الطرق لكي يتسنى لهم الدخول إلى المكتبة دون رؤيتهم من سكان الشام. فيحيكون كذبة على الشعب فيرغمونه على حظر التجوال الطوعي، فيستعمل رجالات الجنرال التلفزيون الرسمي، والرسامون والفنانون لإشاعة نظرية مفادها أن نيزكاً سيضرب هذه البلاد، حكاية أخرى يكشف فيها خيري الذهبي عن وظيفة الإعلام في نظر السلطة للتحكم بعقول الناس. أما عن تحكم الطاغية بالدين، فتحدثنا الرواية عن حكاية الطاغية الرابع، الذي كان يريد التخلص من مشايخ الجوامع الذين لا يستجيبون إلى نداءات الوطن، ولا يضمّنون خطبهم الدعاء لسيد الوطن ومنقذه من محنته، فيخضعهم لإمتحان بالخط النُسخي تنظمه وزارة الأوقاف ويعزلهم العمل في جوامعهم.