وصف الكتاب:
يكشف عنوان هذه الرواية –الأخيرة لهاشم غرايبة- عن تمركزات فن السيرة الذاتية، وتغلغله في البناء النصي؛ ذلك أنه يُحيل إلى سيرة سليم الناجي، ممّا يعني وجود الشخصية الرئيسة، وما تستدعيه من أحداث، وما تثيره من أفكار ومسرودات ذات قيمة فكرية، وبنية نصيّة قادرة على التشكّل في فن إبداعي. ممّا يشي بتكثيف واضح في الرؤيا، والإنتاج النصي، ويكشف عن رغبة جامحة في مخاطبة المتلقي بمقصدية الخطاب وروحه الوثابة. يقول «مارت روبير»: «الرواية جنسٌ لا قانون له»، وهي مقولة صالحة للانطلاق هنا في دراسة هذا العمل الإبداعي، إذ يظهر التداخل الأجناسي واضحاً بين المتخيّل الروائي والواقع الذي يحمله فن السيرة الذاتية، فنحن أمام رواية السيرة الذاتية إن جاز التعبير. وبينما تحتاج كتابة الرواية إلى أناة وصبر شديدين، فإن كتابة السيرة الذاتية تحتاج إلى سرد الواقع وتحرّي الصدق في ذلك. فيقترب الكاتب من الرواية عندما يعمد للسرد والوصف والحوار، بينما يقترب كثيراً من السيرة باستخدام ضمير المتكلم، والاعتماد على الذاكرة، وتوظيف الموروث الشعبي. والواقعية في تصوير الأحداث. تتضمن الرواية عنوانات جزئية داخلها، تحمل إشعاعاتها الخاصة بحيث يشكّل كلّ منها بقعةَ ضوءٍ تتبدى دلالاتُها، وإحالاتُها قريبة من القارئ في ما يتّصل بوظائف وأدوار الشخصيات الواردة فيها، وتعدّ مفتاحاً لقراءة القصّة من خلال ما تحمله من تلميحات وقرائنَ ودلالات. تعكس شخصية سليم الناجي قيمة فنية عالية تعكس الرغبة في الانتقال من جيل الهزائم إلى جيل الثورة التكنولوجية وتحديات العصر. إذ تقنّع الكاتب في روايته بشخصية سليم الناجي ليمزج بعض فن السيرة الذاتية بخياله الخصب؛ لاستدعاء ماضٍ أليم، وواقع منكسر، وحلم غائب، وقد يبدو سبب هذا القناع هو خشية الكاتب من ردة فعل المجتمع عندما يكون المكتوب صادماً وعالياً في صوته، ورغبته في الخلاص من أسر الواقع؛ فالكاتب عندما يشرع بكتابة روايته، فإن أول ما يخطر في باله هو الواقع وأحداثه، لكنه ليس مؤرخاً أو إعلاميّاً في نقله للأحداث، ممّا جعله يخترع شخصيات لم يُعايشها بالضرورة، أو أحداثاً لم تحدث معه، فيمنحها جزءاً من وجده، وروحاً من حلمه في لغة تتكئ على السرد، ممّا يجعلنا نطلق على نصه «رواية». تعكس الرواية مظهراً من مظاهر المفارقة في الوجود التي يعيشها الإنسان في أسرته وفي مجتمعه، منطلقة من الذات المُهَمَّشَة التي تطلب الراحة، والسكينة وسط عالَمٍ متغيّر باستمرار.