وصف الكتاب:
إن الهدف الأساسي من القوانين المدنية تنظيم العلاقة بين الأفراد، مع أن الأصل في ضبط علاقاتهم بعضهم مع بعض ترجع إلى إرادتهم وما يتفقون عليه ولو كان ذلك مخالفاً لما وضعه القانون الخاص من أحكام. وهذا التفويض الذي قرره القانون لإرادة الأفراد في تنظيم العقود لم يمنع المشرع من التدخل في تنظيم هذه العقود بقواعد تشريعية، وأطلق عليها العقود المسماة وهذه القواعد الصادرة من المشرع لم تصدر منه في صيغة الأمر والنهي، وإنما في صيغة البيان والاقتراح، وهي قواعد مقررة أو مفسرة أو مكملة لإرادة المتعاقدين. القواعد القانونية التي ترد في هذه الدوائر ليست قواعد ملزمة لهم إلزاماً مطلقاً، وإنما يخيرون في الالتزام بها أو العدول عنها إلى حكم مخالف، غير أنهم إن سكتوا ولم يتفقوا على ما يخالفها كان ذلك رضاء الاحتكام إليها، ولذا اعتبرت مكملة لإرادة المتعاقدين أو مفسرة لسكوتهم أو مقررة لأرادتهم الضمنية. وقد جاءت أحكام القانون المدني في مختلف التشريعات لتؤكد على أنه يصح أن يرد التعاقد على أي شيء ليس ممنوعاً بنص في القانون أو مخالفاً للنظام العام، أي أن العقد شريعة المتعاقدين يخضع لإرادتهم إلا إذا كان الاتفاق مخالفاً للقانون أو للنظام العام والآداب. وهذا في جملته يتفق مع معنى الإباحة إذ الأفراد مخيرون في تصرفاتهم حتى ولو خالفت القانون الموضوعي الخاص دون مساس بالنظام العام أو الآداب، ولذلك سميت هذه القوانين الخاصة بالقوانين المقررة لأنها تسمح لطرفي العقد بحق التحلل منها، والاتفاق على غيرها إذ المقصود من هذا القانون تنظيم العلاقات على وجه يمنع النزاع والخصومة، فإذا نظموها بأنفسهم فقد تحقق المطلوب وإلا فإذا لم يتفق المتعاقدون على تنظيم خاص فهم ملزمون بالخضوع لأحكام القانون الخاص. أما بالنسبة لموضوع بحثنا الإباحة، فلا بد من الإشارة بدايةً إلى أن المشرع الأردني لم يقم بتنظيم الإباحة ضمن أحكام القانون المدني، حيث تم تطبيق الأحكام العامة الواردة في هذا القانون على الإباحة بما يتماشى مع طبيعتها الخاصة، ونشير أيضاً إلى أن القانون المدني جاءت أحكامه في الغالب تخييرية، يباح الاتفاق على مخالفتها وتحكيم ما يتفق عليه المتعاقدان من نصوص يذكرونها إذ العقد شريعة المتعاقدين، إلا المواد الآمرة المتعلقة بالنظام العام، لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، وكذلك الفقه الإسلامي حدد للناس حدوداً في عقودهم؛ لأن للعقود أسباب شرعية للأحكام بمعنى أن العاقد بإرادته يتكون العقد، أما الحكم المتعلق به فهو من صنع الشارع وترتيبه. وقد وضع الشارع حدوداً للعقد ولكل ما يشترط الناس في عقودهم، إن التزموا بها كانت العقود صحيحة والشروط ملزمة، ما لم يرد نص يمنعه ويحظره في العقود. فالمذهب الظاهري وأتباعه جعلوا الأصل الحظر، فلا يباح إلا ما قام الدليل من الشارع على صحته، بينما يرى فريق من فقهاء الحنابلة أن الأصل في العقود والشروط الإباحة فكل ما يحدثه الناس من عقود ويتفقون عليه من شروط ولم يكن قد ورد نص يمنعه فهو على الإباحة الأصلية.