وصف الكتاب:
يعد البناء المؤسساتي للدولة من أهم عناصر تقدم الأمم والمجتمعات الحديثة ورقيها، إذ يقاس مدى تمدن الدولة من ناحية قانونية بمدى وضوح الأسس التشريعية فيها وتوافقها مع أحكام الدستور. وهذا الأمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال خلق منظومة تشريعية متكاملة الملامح والأطر تقوم على أساس ضبط إيقاع سن وإنشاء القواعد القانونية، وتنظيم مسارها دون عوائق أو عقبات تعطل مسيرتها، أﻭ تُنقص ﻤﻥ كفاءتها وذلك ضمن سياسة عامة تشريعية تراعي تحقيق المصلحة العليا للدولة. كما يعد التشريع الجيد أداة لدعم الإدارة الرشيدة وتعزيزها وذلك من خلال ترسيخ القواعد القانونية كأداة للوصول نحو التنمية المستدامة والمحافظة على مبدأ المشروعية ومبدأ سيادة القانون، فتكون الإدارة مستندة في القرارات التي تصدر عنها إلى قواعد قانونية محددة وواضحة المعالم. ولا تكتسب القواعد القانونية هذه الصفات إلا إذا جاءت نتاجاً لمنهج واضح في التعبير عنها وصياغتها بأسلوب يجعل أمر تحقيق الهدف من تشريعها مستساغاً وسهل التحقيق، ويقع في إطار المصلحة العامة. في المقابل، فإن الصياغة التشريعية المعيبة تساهم في عرقلة الجهود الوطنية نحو تطبيق الإدارة الرشيدة والتنمية؛ فالعلاقة بين القانون والتنمية ــ والتي هي علاقة تفاعل وتناغم ــ تنعدم بسبب ضعف القواعد القانونية في صياغتها والتعبير عنها إلى درجة تنتفي معها صفة أن القانون هو عبارة عن مجموعة القواعد القانونية التي تنظم سلوك الأفراد والمؤسسات في المجتمع، وتوجهه بما يخدم المصلحة العليا للدولة. إن أهمية الصياغة التشريعية تنبع من اعتبارها الأداة الرئيسة التي تسهم في الوصول إلى الغرض من التشريع والغاية التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من خلال إصداره للقواعد القانونية. وهذا ما يستلزم بالضرورة أن تكون صياغة التشريعات ﻓﻲ منتهى الوضوح والدقة ومنسجمة مع الدستور، وأن تكون غير متعارضة مع القوانين الأخرى، بالإضافة إلى ضرورة أن تكون مفهومة لدى المخاطب بالقانون، وسهلة التفسير والتطبيق. فالاهتمام بمسألة الصياغة التشريعية ليس مجرد اعتناء بكل من الجانب الشكلي والإجرائي منها، وإنما يمتد الأمر إلى السعي نحو الوصول إلى تطبيق دولة القانون والحكم الرشيد، وذلك من خلال سن تشريع جيد ومتطور وقابل للتطبيق على الجميع على قدم المساواة. فنوعية الصياغة التشريعية تعد مكوناً مهماً من مكونات الإدارة الرشيدة لما لها من أثر على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للدولة. في الأردن، وبالإضافة إلى ما سبق ذكره من أسباب حول ضرورة وجود تشريع سليم، فإن أهمية الصياغة التشريعية تكمن في أنها تتزامن مع ما تقوم به الدولة الأردنية من إصلاح في نظامها القانوني والمتمثل في مراجعة وتحديث معظم التشريعات النافذة بما يتماشى مع الاحتياجات والمتطلبات الجديدة، ولمواكبة المعايير الدولية في بناء التشريعات. فمسألة مقارنة أصول الصياغة التشريعية مع المعايير الدولية أصبحت مسألة حتمية لا غنى عنها، بل غدت إحدى أهم الالتزامات المفروضة على الدول المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، فضلاً عن أن نجاح عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي عمادها وأساسها القدرة عن سن تشريعات جيدة تحقق الرؤى والتطلعات الوطنية بالمقارنة مع الظروف والمستجدات الدولية. إن المشكلة الأساسية في عملية الصياغة التشريعية في الأردن كانت دائماً ما تكمن في استخدام آليات وطرائق مختلفة ومتباعدة تبعاً لطبيعة التشريع المراد إصداره ومضمون قواعده، إذ لم تتبلور بعد سياسة أو قواعد إجرائية وطنية تنظم عملية الصياغة التشريعية بشكل كامل، وهذا ما أدى بالنتيجة إلى صدور تشريعات امتازت بعدم الوضوح وغياب الدقة القانونية في صياغتها، ومخالفتها للمعايير الدولية لحقوق الإنسان والالتزامات الدولية الملقاة على عاتق الدولة الأردنية. فمع التسليم بوجود اختلاف من حيث المضمون، فإن العديد من القوانين الأردنية النافذة تتضمن صياغات تشريعية ضعيفة أو غير واضحة أو متعارضة مما أضعف تطبيقها، وسهّل على من يريد خرقها أن يجد فيها الثغرات التي تسهل عليه مخالفتها، الأمر الذي أدى إلى تعقيد منظومة التشريعات الوطنية والخروج عن المبادئ المستقرة في النظم القانونية فيما يتعلق بصياغة القوانين. وبالنتيجة، فقد أدى كل ذلك إلى صعوبة بسط رقابة السلطة التشريعية على المضمون المعياري للتشريعات الوطنية. من هنا، تكمن أهمية وضع مجموعة من القواعد التفصيلية الخاصة بالصياغة التشريعية والتي يجب على الصائغ ابتداءً والمشرع من بعده اتباعها بهدف توضيح إجراءات الصياغة وتبسيطها بشكل يضمن تحسين جودة التشريعات التي تصدر. كما تكمن أهمية وضع قواعد تفصيلية خاصة بالصياغة التشريعية في العمل على توحيد عملية صياغة التشريعات وذلك من خلال إيضاح أدوات الصياغة السليمة والمعايير الأساسية الواجب اتباعها في بناء أي تشريع وطني من خلال عملية الصياغة التشريعية، وهي جملة الأمور التي ستضمنها في هذا الكتاب الخاص بأصول الصياغة التشريعية.