وصف الكتاب:
كان الفرد قبل نشوء الدولة الحديثة يلجأ إلى اقتضاء حقه بنفسه، الأمر الذي لم يكن يستدعي اللجوء إلى أصول معينة في التنفيذ. وبقي الحال كذلك حتى ظهور مبدأ التحكيم وبعد أن ولى عهد شريعة الغاب والأخذ بالثأر واستيفاء الحق بالقوة، ونشأت الدولة الحديثة، نفذت السلطة التنفيذية الأحكام التي تصدرها السلطة القضائية دون أن تضع لها قواعد وإجراءات خاصة بالتنفيذ، لذلك لم يكن التنفيذ بهذه الطريقة خالياً من التعسف والإرهاق للمحكوم عليه، مما دعا إلى التفكير جدياً بتنظيم التنفيذ وإناطته بسلطة قضائية. فأصبح من غير المتصور في العصر الحديث أن يجيز المجتمع للشخص الحصول على حقه بنفسه. كما أصبح من غير المتصور أن ثمة حق إلا إذا كان لصاحبه سلطة الالتجاء إلى القضاء للذود عنه والاعتراف له به وسلطة إجبار مدينه على تنفيذ ما التزم به، ولهذا لا يكتفي المشرع بإجازة الالتجاء إلى القضاء لحماية الحق، بل يمكن صاحبه من اقتضائه، بإجبار مدينه على تنفيذ ما التزم به، فإذا لم ينفذ المدين التزامه طواعية واختياراً أجبر عليه بتدخل السلطة العامة التي تجري التنفيذ تحت إشراف القضاء ورقابته. وبعبارة أخرى تقتصر مهمة السلطة القضائية على أمرين أساسيين: الأول: تهيئة سند قابل للتنفيذ للدائن. الثاني: تمكينه من اقتضاء حقه من مدينه رغماً عنه. ويعد موضوع التنفيذ من الموضوعات الهامة والدقيقة في دراسة القانون، لأنه صورة من صور الحماية القضائية، تمنح عندما لا يكفي مجرد صدور قضاء مؤكد لرد الاعتداء، ذلك لأن الاعتداء على الحق أو المركز القانوني قد لا يقف عند حد إنكاره أو معارضته، بل قد يصل إلى إحداث تغيير مادي مخالف له فلا تتأتى حمايته إلا باتخاذ وسائل مادية لإعادة مطابقة المركز الواقعي للمركز القانوني، ولأن الدعوى لا تنتهي بصدور الحكم فيها بل العبرة في تنفيذه