وصف الكتاب:
إن سيادة القانون والعدالة الجنائية من أهم ركائز المجتمع الديمقراطي الذي يقوم على احترام مبادئ حقوق الانسان. لقد أصبحت المحاكمة العادلة مرآةً للتقدم والرقي البشري، وهي المعيار الدال على احترام الفرد وكفالة حقوقه الاساسية وحرياته، مثلما هي معيار احترام سيادة القانون. ولمّا كان الهدف من القانون، والقانون الجزائي بشكل خاص، هو مجابهة الجريمة التي تشكل خطراً على الفرد والمجتمع فإنه من الضروري أيضاً أن يحافظ هذا القانون على مصلحة الأفراد وصون حرياتهم وحقوقهم وحياتهم. ولقد جاء مفهوم المحاكمة العادلة لتحقيق هذا التوازن، ولضمان عدم انتهاك حقوق الأفراد وسيادة القانون، بالتوفيق بين حق المتهم بالدفاع عن نفسه، وحق الدولة في الحصول على أدلة الادانة. وكان لا بد، لتحقيق الهدف المنشود، من وجود مجموعة من الإجراءات التي يتعين احترامها أثناء تطبيق القانون الجزائي، ومجموعة من المؤسسات التي تراعي هذه الشرعية الإجرائية. لقد أضحت المحاكمة العادلة هدفاً وهاجساً ومطلباً نصت عليه اللوائح والاتفاقيات الدولية والقوانين المحلية، حتى أصبحت المحاكمة العادلة شرطاً من شروط تأسيس دولة القانون وحقّاً من الحقوق الأساسية التي أكدتها الدساتير والتشريعات الجزائية ومنها التشريع الجزائي الأردني، فكان من أهم الأهداف التي ينظمها قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني، الوصول إلى ضمانات المحاكمة العادلة. وبعد أن ظهرت الحاجة الملحة لإنشاء المحاكم العسكرية منذ القدم، وبعد أن استقرت وتأيدت موجبات إنشاء هذه المحاكم بتوسع الجيوش الحديثة وتطورها واختصت بمحاكمة العسكريين على الجرائم التي يرتكبونها خلال تأديتهم الخدمة العسكرية، فقد أصبحت المحاكم العسكرية جزءاً من المنظومة القضائية في مختلف التشريعات. ولمّا كان أفراد المجتمع العسكري يمثلون شريحة واسعة من المجتمع، ولهم حقوق وعليهم واجبات، ويملكون خصوصية مختلفة اكتسبوها من انتسابهم للمجتمع العسكري، ولمّا كان لهذا المجتمع خصوصية تحتّمها طبيعة الواجبات والمصلحة العسكرية، فقد جاء موضوع هذه الدراسة متعلق بضمانات المحاكمة العادلة أمام المحاكم العسكرية. لقد تجلت أهمية هذا الموضوع وتبيّنت الدوافع لبحثه والكتابة فيه، في ضوء الإيضاحات الآتية: أولاً: ندرة الدراسات المتخصصة في الموضوع، وبالأخص الدراسات التى تناولت إزالة الغموض واللبس حول فهم التنظيم القضائي العسكري للدولة والقوات المسلحة في الأردن. ثانياً: إنّ الكثيرين ــ من بينهم بعض حملة شهادات القانون ــ يعتقدون أنّ المحاكم العسكرية تعمل وفقاً لإجراءات مختلفة عن تلك الإجراءات المعمول بها في المحاكم النظامية، الأمر الذي قد يشير بأصابع الاتهام إلى أن المحاكم العسكرية تفتقر الى معايير ضمانات المحاكمة العادلة، في الوقت الذي تطبق فيه المحاكم العسكرية الإجراءات ذاتها المتبعة أمام المحاكم النظامية، سعياً منها لتحقيق ضمانات المحاكمة العادلة، بل إننا نجد أن بعض الإجراءات التي ترسم مسار الدعوى العسكرية، هي أوثق القواعد القانونية صلةً بتحقيق مبدأ سيادة القانون وضمان الحريات وحسن سير العدالة الجنائية، بالشكل الذي يحقق ضمان الضبط والربط والنظام العسكري دون الاخلال بضمانات حريات الافراد. ثالثاً: بالنظر إلى أن التخصص الدقيق يؤكد ضرورة أهمية وجود تشريع جزائي عسكري مستقل، وبالنظر إلى ما انعكس على تقدم التشريعات العسكرية وشمولها التي تهدف الى تنظيم ضمانات المحاكمة العادلة، فإن هناك بعض الإشكاليات التي تتعلق بتلك الضمانات أمام المحاكم العسكرية، حفَّزت المؤلف لطرق باب هذا الموضوع وإلقاء الضوء على هذه الإشكاليات، والتوصية بإيجاد الحلول المناسبة لها، سعياً لتطوير التنظيم القضائي العسكري في الأردن نحو الأفضل، ضمن إطار التوفيق بين الأساس والمبررات التي أوجدت محاكم عسكرية لها خصوصيتها، وبين اتساع تطبيق القواعد القانونية داخل منظومة القوات المسلحة التي ينتمي اليها شريحة كبيرة من المجتمع، حرصاً على توفير ضمانات المحاكمة العادلة أمام المحاكم العسكرية.