وصف الكتاب:
تمتد جذور القانون التجاري الدولي إلى أغوارٍ سحيقةٍ في التاريخ البشري. فقد ظهرت قواعد هذا القانون على شكل قواعد عرفيةٍ، منذ أن ظهرت أول دولتين في التاريخ، وحصلت علاقات تجارية بينهما. وقد عملت التجارة الدولية على توطيد العلاقات السلمية بين الدول. فالدول مهما كانت متطورةً في الجوانب كافة، فإنها بحاجةٍ إلى ما تنتجه الدول الأخرى. وأن العلاقات العدائية بين الدول تحرم شعوبها من العديد من السلع والخدمات. فالعلاقات التجارية تفرض على الدول حالة السلم والاستقرار، على الرغم من اختلاف الأنظمة السياسية والدينية والاجتماعية. لهذا كانت التجارة عائقاً أمام رغبة العديد من الحكام عبر التاريخ في شن الحروب على الدول الأخرى. وتعد التجارة الدولية الركيزة الأساسية لإقامة علاقاتٍ دبلوماسيةٍ بين الدول، ووسيلةً للتقارب والتعاون بين الشعوب، وطريق الاندماج الحضاري والإنساني بينها. وكانت التجارة أهم الوسائل التي أسهمت في نشر الإسلام بخاصةٍ في شعوب جنوب شرق آسيا. وعملت التجارة الدولية على حشد الفكر الإنساني نحو الابتكار والتطور. والتجارة الدولية سلاحٌ ذو حدين، الأول كونها وسيلة التطور والرفاه والتقدم، والثاني، سلاح الاحتكار والقهر، فعندما يسود العداء بين الشعوب، فغالباً ما تلجأ الدول إلى استخدام التجارة كوسيلةٍ من وسائل الحرب، وهو ما يطلق عليها بالحصار التجاري، أو الاقتصادي. ولا يزال النظام الدولي يلجأ إلى هذه الوسيلة على الرغم ما تتضمنه من الحرمان والتدمير للشعوب الأخرى. فقد أكد الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على استخدام الحصار التجاري، أو الاقتصادي كوسيلةٍ من الوسائل الإرغامية على الدول الأخرى من أجلِ فرض إرادتها أو إرادة المجتمع الدولي على دولةٍ معينةٍ تهدد السلم والأمن الدوليين. وتعرضت العديد من الدول العربية لهذا النوع من العقوبات خلال العقدين الأخيرين. وعلى الرغم من أهمية التجارة الدولية، وأثرها في السياسة الدولية وعلاقتها في حياة الشعوب، وتنظيم أحكامها بموجب العرف الدولي والعديد من الاتفاقيات الدولية وظهور المنظمات التجارية الإقليمية والعالمية المتخصصة بالتجارة، إلا أن أغلب الجامعات في الوطن العربي لم تتبنَ تدريس القانون التجاري الدولي، في كليات القانون والاقتصاد والعلوم السياسية، كما أن أغلب المتخصصين في القانون التجاري الدولي لم يبحثوا في هذا الفرع المهم من فروع القانون الدولي العام. ومن هذا المنطلق وجدنا ضرورة بحث هذا الموضوع من جوانبه كافةٍ. ومن المعرف، أن البحث في القانون التجاري الدولي يتطلب التطرق إلى مفهومي القانون والتجارة. وقد أفرزت الهيمنة الدولية على العالم أن يصطبغ القانون التجاري بطابع اقتصاد السوق، بخاصةٍ بعد انهيار الكتلة الاشتراكية. وهذا ما تطلب فتح الأسواق العالمية أمام حرية التجارة الدولية، لجميع الدول بصرف النظر عن أنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأصبحت قيادة التجارة الدولية محكومة بالقطاع الخاص، وبرزت الشركات المتعددة الجنسية والمؤسسات المالية الدولية. كما أسهمت الرأسمالية والعولمة في تنشيط حرية التجارة الدولية وترسيخها في العلاقات الدولية. ومما أثر في توطيد التجارة الدولية ظهور التكتلات الدولية مثل مجموعة الثمان ومجموعة العشرين وآسيان والاتحاد الأوربي والفرانكفونية