وصف الكتاب:
تعتبر ظاهرة الإرهاب من أخطر الظواهر السلبية التي انتشرت في العالم وقد امتد خطرها ليشمل العالم كُله، فلم يُعد أي مُجتمع من المُجتمعات بمنأى عنها، وفي الآونة الأخيرة تزايدت العمليات الإرهابية وتنوعت صُورها واتخذت أشكالاً جديدة مما جعلها تُشكل تهديداً حقيقياً للمُجتمع الدولي واستقراره، فلا يكاد يمر يوم دون أن تُطالعنا وسائل الإعلام المُختلفة عن قيام فرد أو مجموعة بارتكاب أعمال إرهابية من شأنها إثارة الفزع والاضطراب وبث الرُعب في النفوس. ولقد شهد العالم المُعاصر تحولات كثيرة وتغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية مُتسارعة ألقت بظلالها على النواحي الأمنية، فتعددت وتنوعت مصادر الأخطار الأمنية التي تستهدف تقويض الأمن وزعزعة الاستقرار بالمُجتمعات، ويُمثل الإرهاب واحداً من أهم مُهددات الأمن بالوقت الحالي نظراً لما يتسم به من التعقيد والخطورة، فهو مُشكلة مُعقدة بالنظر لتشابك أحواله وظروفه وتعدد وسائل وأساليب ارتكابه (البصول، 2002، ص 1). فالإرهاب مُشكلة خطيرة نظراً لما يترتب عليه من نتائج وخيمة، فهو عمل إجرامي لا يقتصر على فئة دون آخرى، وإنما يلحق أذاه بالأطفال والشيوخ والنساء والرجال دون تمييز، ويفتك بحياة الأبرياء ويُدمر المُمتلكات بطريقة همجية ووحشية، وقد أصبحت العمليات الإرهابية تُنفذ من خلال تنظيمات بلغت حداً كبيراً من الضخامة والكثرة والتنظيم، كما أصبحت تشكل خطراً كبيراً يُهدد الوضع الاقتصادي والاجتماعي والاستقرار السياسي ويؤدي لإرباك الدولة ومشروعاتها ومُنشآتها وضرب القيم التي تتبناها (محسن، 2004، ص 3). وقد أصبح ظاهراً للعيان أن بعض الدول أصبحت مسرحاً للجرائم الإرهابية، فهي تواجه عدواناً مجهول المصدر يضرب بأي وقت وأي مكان، ويُسدد ضربته لأي إنسان بهدف إشاعة الرُعب والذعر والخوف تحقيقاً لهدف مُعين غالباً ما يكون آجلاً أو مُستقبلاً، ويُمهد له بإثارة الرُعب لدى المواطنين وتهديداً لأمن المُجتمع واستقراره. وما الجرائم الإرهابية التي ترتكب في مُختلف أنحاء العالم إلا أكبر دليل على فساد أخلاق من يقومون بها، بغية زرع الفتنة والإفساد بالأرض، وأنهم مُنحرفون فكرياً قبل انحرافهم أخلاقياً لأن العقل لا يقبل هذه الأفعال الإجرامية بمُختلف صورها وأشكالها إلا إذا كان قد حدث خلل في مُعتقده وتفكيره. وبالتالي فإن ظاهرة الإرهاب العالمية أضحت مُقلقة لكل المُجتمعات الإنسانية بمُختلف أعراقها، ومُعتقداتها، فلقد تضرر منها عدد كبير من مُجتمعاتنا البشرية، ومهما اختلفت أهدافها وغاياتها فإنها تتحد لا محالة بإلحاق الضرر بالإنسان ومُكتسباته الحضارية، ومن ثم فإن الوقاية منها أولاً، ومواجهتها ثانياً فريضة دينية وضرورة اجتماعية. والمملكة الأردنية الهاشمية لم تكن استثناء حيث تعرضت ومُنذ وقت مُبكر لمحاولات المساس بأمنها الوطني، ارتباطاً بمواقفها السياسية التي اتسمت بالحكمة والتعقل وبُعد النظر، ونتيجة لذلك فقدت المملكة بتاريخ 20/7/1951 المغفور له جلالة الملك عبد الله الأول بن الحسين، وفقدت اثنين من رؤساء وزرائها همــا (هزاع المجالي "بتاريـخ 29/8/1960"، "وصفي التل" بتاريخ 28/11/1971") كضحايا للإرهاب الذي استهدف المُواطنين والمُؤسسات بالداخل، والسفارات والدبلوماسيين والمصالح بالخارج، فالمملكة وبحُكم موقعها الجغرافي ليست بعيدة عن التداعيات الأمنية والسياسية التي تحدث في المنطقة، الأمر الذي حتم على المملكة التصدي وبكل حزم لإفرازات وانعكاسات هذه التداعيات، حِفاظاً على أمنها واستقرارها، مع الآخذ بعين الاعتبار المعادلة بين الأمن والحرية. ومن هذا المنطلق بادرت المملكة الأردنية الهاشمية كواحدة من الدول العربية والتي تضررت من الجرائم الإرهابية، ووفاءً منها بالتزامها تجاه أُمتها العربية والمُجتمع الدولي وانسجاماً مع المواثيق الدولية التي صادقت عليها من خلال الإستراتيجية العربية لمُكافحة الإرهاب والاتفاقيات الدولية التي تُعنى بذلك، بسن قوانين خاصة بمُكافحة الجرائم الإرهابية. على ضوء ما سبق يرى الكاتب أهمية البحث والدراسة في هذا الموضوع من خلال المجالين القانوني والأمني، لتحديد ماهية الإرهاب وكيفية مُواجهته والآليات المُناسبة التي يُمكن من خلالها العمل على الحد منه، خاصة بعد أن تزايدت العمليات الإرهابية سواءً من قبل الدول أو الجماعات، فالجميع يسعى لتبرير ما يقوم به من عمليات إرهابية تحت ذريعة أنه يُحارب الإرهاب لمُواجهة خصومه، ومن أجل كسب تعاطف الهيئات الدولية والدول الاخرى سواءً كان ذلك بحق أو بدون حق. ولكون التشريعات القانونية هي من أهم الأساليب اللازمة لمُكافحة هذه الظاهرة، وأمام تصاعد حجمها وارتباطها بغيرها من الجرائم، فقد سعت حكومة المملكة الأردنية الهاشمية لإيجاد آليات قانونية وعملية لتفعيلها ومُتابعتها بُمكافحة الظاهرة ومُقاومتها على المستويين الوطني والدولي من خلال سن التشريعات العقابية، والتوقيع على عدد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية لتوحيد الجُهود لمُواجهة هذه الظاهرة العالمية. وقد اقتضت المُواجهة القانونية للإرهاب على المستويين الوطني والدولي مُحاولة وضع تعريف للمصطلح، يُمكن بضوئه الإنطلاق لتحديد الأساليب القانونية لمُواجهته ومُعاقبة مُنفذيه، وكونه لم يتم التوصل لتعريف جامع مانع للإرهاب على المستوى الدولي، كان لِزاماً على المملكة الأردنية الهاشمية وضع تعريف خاص بها للإرهاب يُمكن من خلاله وضع النصوص القانونية اللازمة لمُحاسبة مُرتكبي هذه الأعمال الإرهابية، ويتطلب وضع هذا القانون مزيداً من الدِقة القانونية لمُواجهة العمل الإرهابي بوصفه نوعاً من العُنف، يهدف لبث الرُعب بالمُجتمعات للوصول لنتيجة سياسية أو لعائد إجرامي، وتتوقف هذه الدِقة القانونية على التوازن بين الضرورات الأمنية لمُواجهة الإرهاب ومُتطلبات حماية حقوق الإنسان بالدولة القانونية. أخيراً فإن اختيار الكاتب لعنوان رسالته هو إختيار يُحدده إيمانه المُطلق أن الإرهاب بجميع أشكاله، وإن كان اعتداءً صارخاً على الأمن القومي والنظام العام، إلا أن شرعية المُواجهة تتطلب الالتزام بالقانون بكل ما يحميه من حقوق وبكل ما يوفره من ضمانات، وقد جاء اختيار هذه الدراسة تحت هذا المُسمى نتيجة لعدم وجود دراسات سابقة بحثت هذا الموضوع بشقية القانوني والأمني.