وصف الكتاب:
يعتبر القانون الدولي الإنساني أحد أهم فروع القانون الدولي العام الذي تهدف قواعده إلى التحكم في سير العمليات العدائية من خلال تقييد اختيار طرق استخدام الأسلحة من جهة، وحماية ضحايا النزاعات المسلحة من جهة أخرى. ويعتبر موضوع الوضع القانوني للمقاتلين أحد أهم مواضيع القانون الدولي الإنساني. وتمثل اتفاقيات جنيف الأولى والثانية والثالثة لعام 1949 وكذا البروتوكول الأول والثاني لعام 1977، دعامة أساسية لحماية المقاتلين في النزاعات المسلحة. إن القانون الدولي الإنساني هو مجموعة القواعد التي يصفها القانون الدولي التقليدي بقانون الحرب "Jus in Bello"، وهو القانون المطبق في زمن النزاع المسلح، ويتعلق بتقييد وسائل القتال، وحماية ضحايا النزاعات المسلحة. ونميز تقليدياً بين قانون لاهاي وبين قانون جنيف، فالأول يرتبط بتنظيم وسائل القتال، أما الثاني فيتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة. وقد أكدت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري المتعلق بمشروعية التهديد أو استعمال الأسلحة النووية أن كل من القسمين يطبقان في النزاعات المسلحة، وأصبح اليوم يشكل نظاماً واحداً متكاملاً وهو القانون الدولي الإنساني. وإذا كانت نصوص قانون لاهاي قد عنيت بعملية تقنين الحرب التي تقع بين الدول، فإن نزاعات أخرى أصبحت لا تقل أهمية وضراوة عن هذه الحروب، ألا وهي النزاعات التي تحدث داخل الدولة ذاتها. وقد انتبه المجتمع الدولي إلى ذلك، وسارع إلى وضع تنظيم قانوني يساهم في حماية ضحايا هذا النوع من النزاعات المسلحة. من خلال ذلك، أصبح القانون الدولي الإنساني يهتم بالنزاعات المسلحة التي تقع بين الدول وتلك التي تقع داخل الدولة ذاتها. ومن ثم، فإن الأحكام المطبقة تتباين حسب طبيعة النزاع، وهذا ما يجعل من الضروري التمييز بين قواعد القانون الدولي الإنساني المتعلقة بالنزاعات المسلحة الدولية الذي أكدته اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 من جهة، وبين قواعد القانون الدولي الإنساني المتعلقة بالنزاعات المسلحة غير الدولية الذي أكدته المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف لعام 1949، والبروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 من جهة أخرى. لم يعرف القانون الدولي قبل اتفاقيات جنيف الأربع ما يسمى بالنزاع المسلح، بل كان المصطلح السائد هو "الحرب"، وكان القانون الذي يتعلق بذلك هو "قانون الحرب". وكان مفهوم الحرب يتعلق بالدول فقط، دون أن تشارك فيه عناصر أخرى. غير أن التطور الحاصل على صعيد الفقه والعمل الدوليين أدى إلى بيان قصور نظرية الحرب عن تغطيتها لحالات خطيرة ألحقت الأذى بالبشر، وهو ما مهَّد الطريق لمصطلح جديد وأوسع وهو "النزاع المسلح"، ومنه ظهر "قانون النزاع المسلح". لقد كانت الصراعات والحروب ولا تزال سمة الحياة الإنسانية، فقد عانت البشرية منذ القدم بآثار النزاعات والصراعات، التي تسببت في خسائر بشرية ومادية لا يمكن حصرها. غير أننا نتساءل هنا حول مدى العلاقة التي تربط هذه الحروب بمصطلح الإنسانية ؟ وهل يمكن أن يحصل اندماج بين المفهومين؟ إن مسألة الربط بين الحرب والإنسانية، تستوجب منا التمييز بين الحق في اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة، وبين الالتزامات الواجب احترامها بين أطراف النزاع المسلح. وما يعنينا في هذا الإطار، هو تلك الالتزامات الواجب احترامها في حالة النزاع المسلح بين أطراف هذا النزاع، ذلك أن مسألة الحق في اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة لا ترتبط بمسألة الإنسانية، وإنما ترتبط بمسألة شرعية وعدم شرعية ذلك النزاع، وهذه يحكمها ما يسمى بـ " قانون اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة "، أو "قانون الميثاق " أي ميثاق الأمم المتحدة، الذي حظر الحرب وأجازها في حالتين فقط، وهما حالة الدفاع الشرعي عن النفس، وحالة الأمن الجماعي بموجب الفصل السابع من الميثاق. ومن ثم، فإن العلاقة التي تربط الحرب بالإنسانية، تتمثل في ذلك الجانب المتعلق بتلك الالتزامات الواجب احترامها أثناء النزاع المسلح، وهذه الالتزامات لا تتعلق بشرعية النزاع من عدمه، بل تُفرض على عاتق أطراف النزاع بمجرد بدايته. إن هذه الالتزامات المفروضة على عاتق أطراف النزاع تشكل ما يسمى اليوم بجوهر القانون الدولي الإنساني. وتتمثل هذه الالتزامات في تلك القواعد المتعلقة بسير العمليات العدائية، وقواعد حماية ضحايا النزاعات المسلحة أثناء النزاع.