وصف الكتاب:
"مع غروب شمس القرن العشرين وشروق شمس قرن جديد، بدأت مسارات الفكر المعاصر وحقول المعارف الإنسانية تتسع وتتشعب وتتداخل، ودخل كثير منها في أنفاق مظلمة وغدت مفاهيم العلوم والتكنولوجيا والآداب والثقافات وكثير من القيم الإنسانية الثابتة تندفع في متاهات غائمة لا معالم تحددها، ولا أنساقاً تنتظمها ولا مرجعيات تعيدها من هذه المتاهات المظلمة.... وطالت هذه المتاهات الكاتب والكتابة والمكتوب إليه (المتلقي). فمنذ احتجاجات رولاند بارث عن موت المؤلف... ومن ثمّ موت النص ثمّ موت القاريء... إلى غير ذلك من جنازات لمثلث العملية الابداعية (الكاتب.. النص.. القاريء)... وشطحات فوكو ودريدا ولاكان... وغيرهم كثير... منذ ذلك الوقت... واسئلة بقاء الأدب أو فنائه تطرح هنا وهناك... والهدف من كل تلك الاحتجاجات هو الاّ يتحول الإنسان المعاصر إلى آلة... أو إلى شيء (حسب مصطلح الشيئية) عند غياب الجانب الابداعي والروحي والجمالي في عصر رقمي آلي فضائي. وكان النقد الأدبي المعاصر واحداً من هذه المعارف التي ازدادت فوضاها اصطلاحاً وتحليلاً وتأويلا، وانفرطت أنساقها تنظيراً وتطبيقاً، فخرجت المدارس النقدية عن مساراتها المنطقية الجادة، وتاهت في اجتهادات وتأويلات وصراعات لا مبرّر لها، فما أن يبدأ اتجاه نقدي حتى يتلوه ألف اتجاه يمزقه، وما أن يظهر مصطلح نقدي حتى تتبعه مصطلحات أخرى تهدمه وتتجاوزه، وفي كل الأحوال نرى أنه لا الاتجاه الذي مُزّق قد مُزّق فعلاً، ولا المصطلح الذي هُدم قد هدم فعلاً. فلا مفاهيم الحداثة مثلاً، وما بعد الحداثة، وما بعد بعد الحداثة قد هُدمت وتُجوزت، ولا السيميائية أو التأويلية (الهرمنوطيقاً) وغيرها قد دفنت وماتت، فكل هذه المفاهيم والمصطلحات والاتجاهات ما تزال تسود الدراسات النقدية المعاصرة، وتصبغ التحليل والقراءة والإبداع بصبغاتها وسماتها العامة في الأدب المعاصر في كل أرجاء الدنيا. "