وصف الكتاب:
الرأي - اكتشف د. إحسان ذنون الثامري مخطوطاً كان في عداد ما فقدته الأمة العربية من تراثها، وذلك خلال الويلات والمحن التي تعرضت لها وكان هذا المخطوط يقبع في بلدة نائية في الشرق التركي، لا يعلم عنه المهتمون شيئاً. وخلال بحثه الدؤوب عن تراث الأمة ونشاطه المتصل بالحفاظ على هذا التراث الغني، توصل الدكتور الثامري إلى نسخة فريدة قديمة مكتوبة سنة 769هـ. ذلك المخطوط هو: (المقابر المشهورة والمشاهد المزروة). هذا الأثرُ وَضعه واحدٌ من أهم مؤرّخي الإسلام، مؤرّخٌ عربيّ عراقي، وُلد في بغداد، وعاش فيها، وضمَّه تُرابها حينما مات، ذلكم هو أبو طالب عليّ بن أنْجَب بن عُبيد الله السلاميّ البغدادي، الملقَّبُ بتاج الدين، والمعروف بابن السّاعي. عُرف ابنُ السّاعي بصفة (الخازن)، وهو اصطلاحٌ لمن يخزن الكتب ويحفظها، فقد كان خازناً للكتب في المدرسة النظامية، كما عَمِل خازناً في المدرسة المستنصرية، وهما من أهم مدارس العراق، وأدّيتا دوراً مهماً في تاريخ العراق الثقافي خاصة، والعالم الإسلامي بوجه عام، وكانتا تحويان آلاف الكتب، فلا شكّ في إفادته الجمّة من كتب هاتين المدرستين، بل إنه لم يُعيَّن خازناً للكتب فيهما لولا سعةُ اطّلاعه، واهتمامُه بالكتب، وأمانتُه العلمية. إنّ شخصيةَ ابن السّاعي وحُسنَ أدبه وسيرته جعلته قريباً من الناس، مقرّباً عند الخلفاء وأعيان الدَّوْلة العباسية؛ فكانت مخالطتُه لأرباب الدَّوْلة قد مهّدت له سُبل الاطّلاع على وثائق الدواوين الرسمية المخزونة، والتي يَصعُب على غيره الوصول إليها. وبهذا الجاه، وكونه معظماً عند الرؤساء والأعيان، استطاع معرفة كثير من أخبار الدَّوْلة، فتمكّن من تعضيد كتابته التاريخية، وأعطت كتاباته أهميةً متميزة. بعد حياةٍ طويلة، توفي ابن السّاعي في ليلة الواحد والعشرين من شهر رمضان سنة 674هـ ببغداد، ودُفن بمَقْبرة الشُّونيزية بالجانب الغربي من بغداد، وهي الـمَقْبرة التي أرّخ لها، وترجم لأهلها، ولم يدرِ أنه سيرقد إلى جوارهم إلى أن يلقى وجه ربّه الكريم. مثل هذا الإصدار الرائع للثامري ، عودة لهذا الجزء الضائع من تراثها المفقود الذي ظلّ في غيابات الظلمة سنين طوالاً. ويحسب لهذا الباحث المحقق المدقق، الذي طالما أتحف الحياة الثقافية العربية والإسلامية بنتاجه العلمي الجاد بحثاً وترجمة وتحقيقاً، مقدرين له جهوده ونشاطه ودقته وخدمته تاريخ أمته، وإضافته للمعرفة الإنسانية.