وصف الكتاب:
تبدو المقادير مغايرة هذه المرة .. شيء من البوليسية بقالب كوميدي قد يكون أسودَ كحال الأوضاع في قطاع غزة، أو رمادياً كالدخان المنبعث من المنازل بعد كل عملية قصف، أو من الحرائق المرافقة لـ"مسيرات العودة"، مع شيء من الفنتازيا، وكثير من الإسقاطات والاستعادات التاريخية للجغرافيات والأحداث والشخوص، الذي غابت أسماء المحوريّين منهم، وحضرت أوصاف من يدورون في فلكهم، فيما حافظ "المخيم" على اسمه دون ملحقات، كما جرت العادة عند الروائي الفلسطيني عاطف أبو سيف، لتكون النتيجة بعد أن يضرب الكلمات في خلاطه، ويجعلها تنضج على نار هادئة، قبل أن يضمن استواءها في فرن السرد السلس، رواية تحمل اسم "مشاة لا يعبرون الطريق"، هي جديده الصادر عن دار الأهلية للنشر والتوزيع في عمّان. حادث غامض يبدو كدهس شاحنة لثمانيني، لا يعرفه أحد، وليس له أقارب على ما يبدو، كما لم يحسم أي من الشهود حقيقة ما حدث معه بالفعل، لا "صاحب محل الفاكهة"، ولا "سائق التاكسي"، ولا "الفتاة العائدة من الجامعة" أو "طالبة الجامعة"، ولا "الشاب الذي كان يجلس على شرفته"، ولا حتى "الشرطي" غريب الأطوار، ولا "الصحافي"، ولا غيرهم في "عالم الحاضرين" .. وسط حالة من الشك المتبادل بين كل المتواجدين حول السرير، وحالة من التنافس للحصول على معلومة لتقديمها كسبق صحافي، أو تضمينها في تقرير أمني. وهنا ينتقل الصحافي، وسط تشابك العلاقات في "عالم الحاضرين"، إلى حيث "عالم الغائبين"، فلا يجد بوصلة أمامه إلا الدراجة الهوائية التي كانت رفقة الثمانيني وقت الحادث، ومحفظته بنيّة اللون، والتي خلت إلا من صورة بالأبيض والأسود لفتاة لا يعرفها أي من أبطال "عالم الحاضرين" في الرواية، وليس هناك ما يشير إليها إلا سنة التصوير في العام 1946. "عالم الغائبين، هو العالم الذي عليه أن يقوم بصياغته، أن يخلق حكاياته. من المؤكد أن عالم الحاضرين حول السرير مليء بالقصص، فلكل شخص في الغرفة قصّته الخاصة، عالمه الحافل بالتفاصيل، أما البطل الحقيقي للتقرير، الذي عليه أن يبرزه، أي الرجل العجوز، فهو الغائب الأكبر في الحكاية. الحكاية والبطل توأمان عادة، لكن في هذه الحالة فثمة حكاية بطلها غائب. وعليه، وهذا استنتاج آخر للصحافي، فمهمته الكبرى يجب أن تكون خلق عالم خاص بالرجل العجوز: تخيّل حكايته الخاصة، وافتراض وجود هذا العالم وتلك الحكاية، وتأسيسهما وفق منظومة علاقات من الأشياء التي تتوفر في متن الحكاية القصيرة، وتأثيثها بكل ما تم العثور عليه على قارعة طريق الحكاية الصغيرة التي تمثلت في دهس الرجل العجوز، والافتراض القائم على حدوث جريمة وراء ذلك".