وصف الكتاب:
إذا كانت اللغات تهاجر مثل البشر كما يقول محمود درويش، فإن اللهجات أو المحكيات الشعبية المحلية عند الشعوب لا تهاجر، ولا تبتعد أكثر من محيط القرية والرّيف والمدينة. اللهجة حامل لغوي آخر للشعر الشعبي، والحكاية الشعبية، ولها مذاق مكانها دائماً، بل أكثر من ذلك تسبغ اللهجة على المتحدث بها هوية صوتية، إن جازت العبارة، خاصّة به، والخصوصية هنا في إيقاع اللهجة واستقلاليتها، أو شخصيتها. لهجات المغرب العربي تختلف عن لهجات المشرق، ولهجات الشمال تختلف عن لهجات الجنوب، والاختلاف ثراء وتنوّع ينعكس منهما ثراء وتنوّع الشعر والحكاية والقصة الشعبية. استمتعت بقراءة كتاب «اللهجة الإماراتية» في جزئه الثاني (إصدارات 2019- معهد الشارقة للتراث) للباحث الإماراتي خميس إسماعيل المطروشي، وهو عمل وطني ثقافي نبيل فيه معنى حب الوطن والانتماء للمكان. ومن الجميل أيضاً الانتماء للهجة، فبعض ممّن يُسمون النخبة المثقفة يطرد لهجته أو يهاجر منها، ولا يتحدث بها إلاّ في محيطه العائلي، ومن أجمل البرامج الإذاعية والتلفزيونية تلك التي يقدّمها مذيعون ومذيعات إماراتيات باللهجة الإماراتية الصافية من دون استعارات مصطنعة من بعض اللغات، بخاصة الإنجليزية. اللهجة المحلية أيضاً هي أخت اللغة الفصحى، ويلاحظ ذلك في الشعر الشعبي والنبطي، وطالما ذكرت أن هذا الشعر الذي يُرتجل أحياناً على الفطرة يمتلئ بمكونات لغوية فصحى، فاللهجة الشعبية ليست مغلقة على محليتها، بل هي «لغة» حيّة تماماً مثل الفصحى تستوعب المعطيات الحديثة من كلام ومصطلحات وبذلك تتجدّد وتنمو. بعيداً عن هذا التقديم الطويل، آخذ القارئ في رحاب معرض الشارقة الدولي للكتاب إلى اللهجة الإماراتية التي أوجد لها الباحث المطروشي ما يشبه المعجم، وأكثر من ذلك هو وضع بحثاً حيوياً مزوّداً بما يشبه تاريخ الكلمة الواردة في اللهجة ودعم بحثه بالقصص والشعر، بل إن الجذر اللغوي للهجة موجود في معاجم كبرى مثل «لسان العرب». وبعض الكلمات تحمل روحاً معتقدية أسطورية مثل كلمة تحيير، والتحيير كما شرحه الباحث المطروشي ما يقوم به المطوّع (رجل العلم والدين قديماً في المنطقة) من قراءة بعض الآيات القرآنية والأدعية على قطعة من ثياب شخص اختفى أو فُقِدَ حتى يعود، أما ديج البحر، أي ديك البحر، فهي سمكة سامة تتخذ لون المحيط من الشجر تستخدم في الطب الشعبي لمداواة أمراض المعدة وغيرها من الأمراض. و«البيص» هو عمود من الخشب المستورد من الهند، والبيص، كما يقول الباحث يشكل الهيكل الأساسي الذي يُبنى عليه هيكل السفينة الخشبية، و«دوكه» وينطقها البعض «دوقة» تعنى السكون والهدوء وعدم وجود أية نسمة هواء، والخطيفة هي السفينة التي ارتفع شراعها وبدأت في المسير، و«بارد يوف» لفظ يطلق على الشخص غير المكترث لما يدور حوله، وإذا كان حرف الجيم يقلب إلى الياء في اللهجة الإماراتية فهي «بارد جوف» أي جوفه بارد، أو قلبه بارد، وهذا اجتهاد لغوي من كاتب هذه السطور. إذاً، نحن أمام كلمات ذات صلة بالبر والبحر والجبل، هي البيئات الثلاث في الإمارات، وأيضاً، نحن أمام «معجم» محلي ينفع الشاعر والروائي والمسرحي والباحث والأكاديمي والفنان التشكيلي، إذا أراد هؤلاء أن يُنجزوا آداباً وفنوناً لها هوية المكان الإماراتي وشخصيته اللغوية.