وصف الكتاب:
يعد شعر الرؤية كشفاً عن المجهول واللامرئي، عن كنه الأشياء المحيطة بنا، بل حتى أنفسنا فيزيدنا معرفة بخباياها وأسرارها وآلامها، إنه يتجاوز العادي والمألوف ليصل إلى وجه الكون الخفي فيكشف عنه النقاب، إنه التساؤل الدائم عن الوجود الحق، والبحث عن أجوبة أكثر حيرة وقلقاً من التساؤلات ذاتها. إنه الكشف عن موقف الشاعر إزاء العالم والكون والأشياء، وأفكاره وإعتباراته لله والطبيعة والإنسان. فكان الشاعر ذو الرمة ذلك الرائي المتميز بقدرته على رؤية ما لا يراه غيره، وإختراق تخوم لم يبلغها معاصروه من الشعراء لإمتلاكه رؤية خاصة به تمثل موقفه الفكري والجمالي من الحياة والشعر والعالم، فكان شعره ينفذ إلى ما وراء المرئيات ليخلق عالماً موحداً ومنسجماً، فهو لا يقف عند قشرة المحسوسات والأحداث، ولم يكن شعره مجرد وصف تصويري للطبيعة أو سرد للأحداث بل كان شعر خلق ورؤية. ولعل ما جذبني إليه روحانية شعره والعمق الفكري والفلسفي والديني الذي تتمثله صوره الشعرية، وبتشجيع من الأستاذ الفاضل د. عمر الطالب وبتوجيه منه حدد لي المنفذ الملائم لإكتناه ذلك وهو (الرؤية) لذا اخترت دراسة رؤيته الشعرية فهو صوت ارتفع في الشعر العربي القديم، وما يزال، كماً ونوعاً، لكنه لم يدرس دراسات أدبية ونقدية وافية تحيط كل ما يزخر به عطاؤه الشعري من شاعرية وأصالة وإبتكار وقدرة على النفاذ إلى أعماق الظواهر والأشياء والمشاعر والنوازع والإلتحام بحقائق الكون والإنسان والحياة، فهو شاعر لم يسع للشهرة والمجد، ولقد استوعب شعره ثلث لغة العرب فهو يمثل مرحلة متقدمة في مستوى اللغة الأدبية، وتراثه الشعري قد أثرى الشعر العربي برؤى وصور جديدة.