وصف الكتاب:
المقدمة في خريف العمريحتاج المثقف الكاتب مراجعة ذاتية ناقدة في تساؤل ليس من الصواب الهرب منه وعدم مواجهته فهو استحقاق العمر، واستحقاق التجربة الثقافية ايضا ولا مجال في الاختيار. السؤال: ماذا قدّمت واعتّز به، ويذكرني الناس به بعد مماتي في ممارستي الكتابة الثقافية؟ في تقديري وطموحي على الاقل دونما أهتمام الاخرين. سؤال ليس سهلا الاجابة عنه فهو يتطلب الشجاعة والجرأة والحيادية في مراجعة النفس ثقافيا بقساوة وتجرد، وممارسة النقد الذاتي بأمانة واخلاص في محاولة التطابق مع الضمير والآخرين على السواء . كما يتجنب الاجابة عن السؤال كل الادعياء الذين بنوا امجادهم الثقافية الكاذبة على معطيات مجانية خادعة ساهم بخلعها عليهم جمهور قاصر ثقافيا، ومنحها لهم اعلام منافق ومرائي كاذب، في تلميع وتسليط الضوء على اشباه من المثقفين على حساب التعتيم على مثقفين جديرين أن يأخذوا استحقاقهم الثقافي . كل هذا وغيره ساهم في تجذيرالعلاقات والتعاملات الثقافية الهابطة وتفاقم تدهور وطمس حقائق الامور وتشويهها، العلاقات الشخصية والشللية الثقافية الرخيصة والمجاملات التي تلعب على حبال التسويق الكاذب وجني الامتيازات لأناس عاشوا على هامش الثقافة كخبرة معرفية واسلوب سلوكي في الحياة والمجتمع، واخذوا واستأثروا بالكثيرمن الامتيازات في فساد لايجاريه الا فساد الحكام و السياسيين العرب. كما كان للسلطة السياسية والاحزاب الرّثة دورا تخريبيا لمرتكزات الثقافة الجادة من خلال دعم (وعّاظ السلاطين) بكافة الاغداقات والهبات والامتيازات والايفادات والوظائف الثقافية الحكومية، بما أعطى لأدعياء المثقفين من عديمي الموهبة مساحة واسعة من الضوء اقتتطعوها ظلما وتعسّفا في المشهد الثقافي وهم في حقيقتهم اقزام ثقافية ونكرات في كل المعايير المنصفة. مثقفون كبار في أجابتهم على سؤال: ماذا قدّمت من ابداع ثقافي متمّيز طيلة مدة تجربتك الثقافية، وممارستك الكتابة، وتعتقد الناس سيذكرونك به ؟ !. يجيب وبلا ادنى تردد: ان كل ما كتبته ونشرته من ابداع ثقافي، هو عندي كعلاقة الأب بابنائه وذرّيته، ولا استطيع تمييز أفضلية احدهم على الآخر !! وهو بهذا الجواب يراوغ ويخاتل ويتهرّب من الاجابة المحرجة الصادمة، في عدم اقراره بحقيقة ان ليس كل ما كتبه ونشره يحمل هوية الابداع الممّيز ويتوفر على شروط البقاء المتطاول في الزمن، ليس قياسا بمبدعين آخرين في نفس اختصاصه الثقافي وحسب، ولكن بالقياس لما طرحه من نتاج ثقافي اختلط به الغث بالسمين في سجله الثقافي الخاص به وحده . مثقفون آخرون باختلاف دوافعهم يعمدون نشر وطباعة (الاعمال الكاملة) وتوثيق تجاربهم الثقافية،في الشعر،الرواية، القصة القصيرة، او الاجناس السردية في الكتابة، وغيرها من الاصدارت الثقافية في المسرح او الفنون التشكيلية، وبعضهم غير معروف على مستوى طبع مؤلف واحد يعرفه الناس به، فكيف يكون الحال مع طبع مجلدات الاعمال الكاملة!؟ نوع من السخف الثقافي تساهم بترويجه بعض دور النشر برياء ونفاق فاقع مع رموز ثقافية تستسهل اللعبة لقاء مبلغ من المال تدفعه الدار، اوبعضهم يدفع هو للدارلتضع بصمتها على الاعمال الكاملة له ماركة مسجلة وجواز مرور مزوّر لا صدقية له على مستوى الفكرالابداعي. نستطيع القول وبلا ادنى تحفّظ بان المثقف المبدع في اي من جوانب الفعالية الثقافية في الفكر او الادب او الفن او الاعمال المسرحية وغيرها يعتقد انه انتج ابداعا على مستوى واحد من التمّيز في كثرة وتعدد اصداراته، ولم ينحدر في بعضها نحو السطحية والتراجع وعدم اضافة اي شيء من التجديد في غالبية اعماله فهو مكابر ليس الا. مثل هذا المثقف لا وجود حقيقي له ليس على صعيد المقايسة والمعيارية الثقافية مع غيره وحسب، بل بالمقارنة في اعماله لوحده، وهذا المعيار لا ينطبق على المثقفين العراقيين بشكل مرعب وغث وبعض المثقفين العرب وحسب، وانما يسري على عمالقة الشهرة العالمية لكبار الكتاب والمثقفين . عديدون هم الكتاب والمثقفون والادباء الكبار عالميا الذين وجدوا بعد مسيرة حياتهم الحافلة بالمنتج الثقافي والابداعي، انهم بالمحصلة النهائية لم يقدّموا في حياتهم ما يرضي طموحاتهم في تركهم مخلفات ثقافية ابداعية تطاول البقاء وعدم النسيان تحمل بصمتهم . أو انهم يعلنون بشجاعة بعد مراجعة مخلفّاتهم انهم لم يكونوا راضين عن انفسهم فيعمد بعضهم الى حرق واتلاف مؤلفاته ومخطوطاته المنشورة منها وغير المنشورة، علما انه ربما كان في موقفه ذاك مخطئا بتقدير قيمة واهمية منجزه الثقافي، والاهم من ذلك هو محاولته الصدق مع النفس والتطابق مع الضمير الثقافي بعيدا عن التهريج وشراء النجومية بكل الوسائل الاعلامية الرخيصة. ليس كل كاتب او اديب او فنان مارس الكتابة والابداع سيكون خالدا ثقافيا، بعد مماته بشكل او آخر.في هكذا نوع من الادعاء الفارغ المكابر لا يتوفر على حظوظ القناعة والبقاء، وتلك فرضية افتعالية كاذبة ومجحفة بحق عمالقة الادب والفن والابداع الثقافي، فهي تكون كاذبة في عدم صدقية اي مثقف مراجعة ونقد اعماله ذاتيا بجرأة وتجرد، وتكون مجحفة في تناسي المثقف وتجاوزه لحقيقة مقارنة حجمه وقامته الثقافية مع منجز غيره، وربما لا يكون هذا المثقف الافتراضي لا ينشد هو الآخر خلوده الثقافي مقارنة مع افضل منه وهكذا.... فاذا كان كل مثقف او فنان في مجال الشعر او الرواية او الادب عموما او الفن او ايّا من ضروب الفعالية الثقافية سيكتب له الخلود الثقافي، فمعنى ذلك انتفاء اية قيمة حقيقية او معيارية تبقى لمعنى الخلود الثقافي المتمايز، ومراجعة بسيطة لاعداد الخالدين ثقافيا تؤكد ما ذهبنا له. حصيلة تجربتي في الكتابة الثقافية - ولا اقول تجربتي الثقافية - فهذا ما لا ادّعيه واكابر به – اني تمكنت من طبع اكثر من عشر مؤلفات، كنت أعمد في معظمها تكرار نشر مواضيع سبق لي نشرها في ثنايا كتبي، رغبة مني توكيد ما كنت اطمح الانتساب له، وان ألفت الانتباه واستدرك غير المطّلع عليه ان يحظى به ويقرأه. اليوم لو كنت سابقا أتوفر على حصيلة ثقافية وجرأة كنت افتقدها، في مراجعة ونقد الذات كما أتوفر عليه اليوم، لكنت ترددت الف مرة قبل أن اقدم على طبع اكثر من كتابين اثنين فقط !! والباقي اركنه بالظل لانه لا يشكل لي اضافة اعتّز بها. هذا الكتاب هو الاعمال الكاملة لي،واقول انها اعمال مختارة لما سبق لي نشره، واخترت بعضه من موضوعات ومقالات ودراسات وجدتها انها تمثّلني واستطيع الانتساب لها كما تنتسب هي لي، وهي كل ذخيرتي في الكتابة الثقافية، اضعها امام القاريء كي يحكم عليها او لها. الكتاب بايجاز سريع يشتمل في فصوله الخمسة تنويعة في مواضيع فلسفية معاصرة، ومواضيع اخرى تتوزعها خارطة الفكر الثقافي والفني والايديولوجي والديني ايضا.مواضيع سجالية عالقة في المشهد الثقافي العربي الراهن،تفرضها المستجدات العصرية التي تحكم جدلها بالواقع الفكري ومستوياته في النضج والتجديد. ويلاحظ ان الخط البياني الذي ينتظم دراسات ومواضيع الكتاب هوالمنهج الفلسفي غير السردي ان صح التعبير، من غير تعقيد يثقل على القاريء بلا مسوّغ،وتجنبا لما امسى مكررا معادا واجترارا من غير جدة او اضافة نوعية، متوخيّا بذلك ضخ المعلومة مقترنة بمتعة القراءة. ان هذه المختارات التي يحتويها الكتاب انما هي خلاصة جهدي لمدة تزيد على اربعين عاما امضيتها في الكتابة بالفلسفة والثقافة والمعرفة عموما، بما يسمح لي ان اقول انها كتابات يسعدني الانتماء لها وانتمائها هي لي ايضا.