وصف الكتاب:
إن الله عزّ وجلّ مَنَّ على هذه الأمة - زادها الله تعالى شرفاً - بالدين الذي ارتضاه لها، دين الإسلام، وإرساله إليها محمداً خير الأنام، عليه منه أفضلُ الصلوات والبركات والسلام، وأكرمها بالكتابة أفضل الكلام، وجمع فيه جميع ما تحتاج إليه من أخبار الأوَّلين والآخرين والمواعظ والأمثال والآداب وضروب الأحكام، والحجج القطعيات الظاهرات في الدلالة على وحدانيته، وغير ذلك مما جاءت به رسله صلوات الله تعالى وسلامه عليهم، الدامغات لأهل الإلحاد الضلاَّل الطغاة، وضَعّف الأجر في تلاوته، وأمر بالإعتناء به والإعظام، وملازمة الآداب معه، وبذل الورع في الإحترام، قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ في قوله عز وجل: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾... [سورة الأعراف: آية 146]، أحرمُهُمْ فَهْمَ القرآن الكريم، وقال سُفْيَانُ النَّوريُّ: لا يجتمع فهم القرآن والإشتغال بالحطام في قلب مؤمنٍ أبداً، وقال عبد العزيز بن يحيى الكناني: مثل علم القرآن مثل الأسد لا يمكن من نيله سواه. ومن هنا، شمّر المشمرون، وتنافس المتنافسون في العناية بالإيمان، تحقيقاً وتكميلاً، إذ المسلم الموفَّقُ لا بدّ أن تكون عنايته بإيمانه أعظم من عنايته بكلّ شيء، ولما تحقق سلف الأمة وصدرها وخيرها ومُقَدَّموها بذلك كانت عنايتهم بإيمانهم بارزةً، وإهتمامهم به عظيماً، فكانوا يتعاهدون إيمانهم، ويتفقَّدون أعمالهم، ويتواصون بينهم، والآثارُ عنهم في ذلك كثيرةٌ جداً، منها: قولُ الفاروق عمر بن الخطاب، لأصحابه: "هَلُمّوا نَزددْ إيماناً، وكان الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود، يقول: "اجلسوا بنا نَزددْ إيماناً، وكان يقول في دعائه: "اللَّهُمّ زدني إيماناً ويقيناً وفقهاً، أما سيدنا مُعاذ بن جبل، فيقول: "اجلسوا بنا نؤمنْ ساعةٌ، وهذا الصَّحابي الكبير عبد الله بن رواحة، يأخذُ بيد النفر من أصحابه فيقول: "تعالوا نؤمن ساعةً، تعالوا فلنذكر الله وَنَزددْ إيماناً بطاعته، لعله يذكرنا بمغفرته".