وصف الكتاب:
تمزج الروائية أروى الوقيان بين الأضداد كالحياة والموت والوطن والتشرد والحضور والغياب والفراق والوصال، في إصدارها الجديد «فلتكوني بخير»، مستلهمة قصة حب من الواقع، بينما هذه العلاقة لا تستقر مراسيها على شاطئ الأمان، ويتقاذفها الشد والجذب إلى أن تذهب الأحلام الوردية أدراج الرياح، في حين تستمر الحياة بحلوها ومرها ولا تتأثر لموقف بذاته أو حدث بعينه. ومن مخيم الزرقاء في الأردن، تنسج الكاتبة أروى الوقيان تفاصيل روايتها، ساردة موقفاً مؤثرا لامرأة عجوز «أم نبيل» دفعتها الحرب في سورية إلى النزوح من بلدها بحثاً عن مأوى تضمن فيه استمرار حياتها، وتعيش فيه بعيداً عن نار الحرب ولهيبها، تريد تأمين حياتها وحياة أفراد أسرتها لتكون بمأمن عن آلة الموت التي تحكم سيطرتها على وطنها. ربما لا يبدو إلى الآن أي غرابة في الموقف، لكن ما سيأتي سيحمل في طياته المفاجأة والتناقض في آن، لأن هذه العجوز التي قذفتها الظروف الصعبة خارج بلادها للعيش غريبة وبعيدة عن حضن وطنها الأم، متجرعة مرارة الغربة والألم والقسوة والفراق والتشرد، إضافة إلى مشكلات لا حصر لها بسبب الحرب السورية الراهنة وتدهور الأوضاع فيها، ستستشرف المستقبل وتقرأ الطالع لأحد الصحافيين المكلفين متابعة تجهيزات الكويت للاجئين قبل حلول شهر رمضان في مخيم اللاجئين، بينما أم نبيل تواجه المجهول، ستبصر ما سيجري لهذا الفتى الذي وهب نفسه وجهده ليؤدي وظيفة إنسانية في متابعة الأحداث التي تدور في هذا المخيم. قراءة الطالع أم نبيل المهجرة من وطنها تمسك بيد الشاب في مخيم الزرقاء، وتعرض عليه قراءة الطالع له، فيمد كفه بلا جدال، يريد معرفة ما تخبئ الأيام له، وبجملة مقتضبة قالتها أم نبيل: «اجلس قصتك مطولة». لم يجد الفتى مناصا من تنفيذ رغبة العجوز التي كانت تمعن النظر إليه، فجلس متأملا آثار الزمن التي ارتسمت على وجهها، فالتجاعيد استقرت حول عينيها، وكانت تنكمش عيناها في مكان وكأنها تدخل في عوالم داخل كفّ، هل يرون فعلاً شيئاً أم أنها مجرد تسلية ونصب؟ النازحة السورية بدأت بطرح الأسئلة، وقاطعت أفكار الفتى وباغتته بسؤال: ما زلت تحبها؟ فتدفق الدم في عروق الفتى ونفر العرق سريعاً من كفه، وشعر بمشاعر مختلفة تتقاذفه، تلاحظ العجوز ما يحدث له، فعلقت بجملة أخرى لكنها أشد وطأة هذه المرة: لم تستطع أن تنساها يوماً، رغم أنها ليست معك... بينكم مسافة، فراق، سفر، بينكم بعد، ولكن سيجمعكما القدر بعد ثلاث نقاط، هي ثلاثة شهور أو ثلاث سنين، أو ثلاثة أيام، الله أعلم! يحاول الشاب الفصل بين مشاعره والموقف الراهن، ويقول: بل تقصدين أن الفراق حدث منذ ثلاث سنين، الحسبة عندك غلط. وجدت العجوز فجوة في الحديث فبادرته: لماذا تركتها؟ إن كنت في كل مدينة تحملها معك يا ابني. بألم يرد عليها: «هي من تركتني، لم تكن تحب حياتي». وبحسرة قالت له: «يا ابني كفك مليء بالأخطار، خد بالك من نفسك دخيل الله». حديث النفس يشعر الفتى بمرارة ما قالته ام نبيل فيحدث نفسه، «ما عاد يهم، كنت معتاداً جداً أن أخفي هذا الأمر، واليوم بات الأمر غريباً حين عرّتني أم نبيل وكشفت ما في قلبي. شعرت بأني مفضوح، اعتراني ضيق، واستحضرت مشاهد كنت أريد أن يطويها النسيان، رغم أن النسيان لم يكن يوماً حليفاً لي مع ريم». ويهرب الصحافي من واقعه مفضلا عدم الاستمرار في هذا الكشف، اعذريني أم نبيل يجب أن أقوم بعملي المعتاد، ولا تجد أم نبيل بداً من إعفائه من جلسة المكاشفة فتقول له: «الله معك، ولكن طالع لي لقاء معها مش فراق يا ابني»، ويتحسر الصحافي ويقول: «يا ريت، ابتلعتها في رئتي ولم أنطقها». مناطق التوتر لم تستطع الروائية أروى الوقيان تجاهل حادث التفجير الإرهابي الذي وقع في مسجد الصادق بالكويت خلال رمضان الماضي، في أحدث إصداراتها، منتقدة الغلو والتطرف في الدين الذي يدفع المغيبين عن الواقع إلى ارتكاب جرائمهم متوهمين أنهم يتقربون إلى الخالق بصنائعهم الدنيئة. قدمت الوقيان عملا أدبيا جميلا يتقاطع مع الواقع من خلال أحداث حقيقية، مؤكدة استمرار الحياة بالكفاح والنضال والحب، ولن يعكر صفو الحياة أي عمل إرهابي يحدث في أي مكان بالعالم بل هذه الأحداث تضاعف أواصر الألفة والتآلف والمحبة والمودة، وتغرس في نفوس البشر الإصرار على مقاومة الإرهاب. وتدون في مقدمة إصدارها بضع كلمات مؤثرة جداً، مستذكرة الصحافيين الذين لاقوا حتفهم في عمليات قتل متعمدة أو هجمات بقنابل أو إطلاق نار في أنحاء العالم، وارتفع من 105 عام 2013 إلى 118 ضحية في عام 2014، وتلفت إلى أن 17 صحافيا لقوا حتفهم في حوادث أو كوارث خلال أداء مهام عملهم، حسبما صرح به الاتحاد الدولي للصحافيين، وهو أكبر منظمة دولية للصحافيين في العالم، وتختم كلمتها: فلترقد أرواحهم بسلام وإليكم أيها الزملاء أهدي هذا الكتاب أينما كنتم. ملك متوّج على عرش الخسائر من أجواء الرواية تقول أروى الوقيان في أحد المقاطع: «كنت عاشقاً في قمة الخيبة، أتربع على عرشها كملك متوّج للخسائر. يحدث أنني أحببت المرأة الأكثر عذوبة، ويحدث أنها أحبتني يوماً بجنون، لكن لم يكن جنونها كافياً، لتقبل حياتي -كصحافي موت- كما كانت تلقبني دوماً. ولكني على يقين بأن حبها لي لم يكن كافياً. وكم أحب فكرة أنها قد تكون سعيدة وهي بعيدة عني، متخلصة من هذا القلق الذي أسببه دوماً لها. المشكلة أنني التهمت حبها كجائع إفريقي... قُدمت له وليمة (ديك رومي) في عيد الشكر، ما كنت لأكتفي، كنت دوماً أريدها أكثر. ما حدث... أنها ليست لي... قمة المأساة أن تعيش حباً يبدو مثالياً من كل النواحي، إلا في شيء واحد. وهذا الشيء هو السبب في أزمة فراق لا تنتهي، وكأنك عقدت صفقة مع إسرائيلي نذل بأنك لن تطأ موطنك مرة أخرى. وأنت أرض طاهرة، حرمت على قلبي أن يطأها. عجزت أن أنساك. ولكنكِ نسيتني وعشت حياتك. وكأني لم أكن... وكأني لا أحد... وبقيت أنت الأسطورة... وكلنا راحلون. تقول بأنك ما زلتِ تفكرين بي؟ الفكرة نفسها، كفيلة بأن تعيدني إلى نقطة الألم في نسيانك. كيف لي أن أصدق عرّافة أنهكتها غربة اللجوء؟ كانت تودّ أن تعبر عن شكرها لي بقراءة كف مجانية! حتما كانت تجاملني. حتما أنتِ نسيتني. الغريب أن أهم الأحداث في حياتنا، تحصل في يوم عادي جداً، حين لا تمتلك أي توقعات، وكأن القدر يقول حين تنتظر الأهم لن يأتيك، وحين تنشغل عنه، سيفاجئك».