وصف الكتاب:
كتاب (لماذا التطور حقيقة؟) لمؤلفه جيري كُوين (أستاذ علم الأحياء في جامعة شيكاغو)؛ فقد قدَّم كُـوين كتابه على أنه أساسٌ لإيجاد أدلة على نظرية التطور، لا بهدف حسم الجدل بين الخلقيِّين والداروينيِّين؛ بل لكي يتوافر لمن يثقون بالعلم ما يُعدُّ موجزًا بليغًا عن سبب إدراك العلم الحديث التطور بوصفه بوصفه حقيقة. قدَّم جيري كُـويْن (أستاذ الأحياء في جامعة شيكاغو) كتابَه "لماذا التطور حقيقة" على أنه أساسٌ لإيجاد أدلَّة على نظرية التطور، لا بهدف حسمِ الجدل بين الخلقيِّين والداروينيِّين؛ بل لكي يتوافر لمن يثقون بالعلم ما يُعدُّ موجزًا بليغًا عن سبب إدراك العلم الحديث للتطور بوصفه حقيقة. يبدو هذا التوجه جليًّا في عدة مواضع من الكتاب؛ مثل قوله: "صحيحٌ أن التطور راسخٌ بشدة بوصفه حقيقة علمية، ولا يحتاج علماء الأحياء إلى إقناعٍ أكثر في هذا الصدد، ولكن الأمورَ مختلفةٌ خارج الدوائر العلمية. إذ تُزعج نظرية التطور إحساس كثير من العامة بالنفس؛ فهي تُدمِّر فكرة أن البشر استثناء، ويحلُّ مكانها أن الكائن البشري واحدٌ فقط من المنتجات الكثيرة لعملية الانتخاب الطبيعي". لم يتَّسع صدر كُـويْن (الحائز على جائزة ريتشارد دوكينز عام 2015) لنظريَّتَين مُتقابلتَين في تفسير نشأة الكائن الحي وتطوره؛ فتحرَّك نحو إثبات صحة ما يطرحه العلم بدافعَين رئيسَين: الأول أن للأصولية الدينية دورًا أساسيًّا في مهاجمة نظرية التطور وتشويهها، فيقول في الفصل الأول: "هذا مردُّه عادة إلى الدين؛ إذ لا يوجد نظريةُ خلقٍ لا تتبع لدين". أما الدافع الثاني فهو التشوُّش وعدم الفهم والغموض الذي يكتنفُ التطور لدى عامة الناس؛ ما يؤدي بهم إلى رفضها ومحاربتها. وأصاب المؤلف إذ شرح نظرية التطور عن طريق تقسيمها إلى ستة أجزاء، مُعرِّفًا كلَّ جزء على حِدة بأسلوب مُبسَّط استخدم فيه المنطق الآتي: "إذا كانت نظرية التطور قد قدَّمت إجاباتٍ علميةً ومنطقيةً عن الأسئلة المرتبطة بالنشوء والتطور، ووضعت تنبّؤاتٍ عن تغيرات جينية أثبتت الأبحاث صحَّتها لاحقًا؛ فلماذا لا نزال نعتقد أنها "مجرد" نظرية مقابلة لنظرية الخلق؟". سعى جيري كُويْن في كتابه إلى حصر كافة الشكوك والاتهاماتِ الموجهة ضدَّ نظرية التطور وتفنيدها واحدةً تلوَ الأخرى؛ ففي الفصل الثاني أخذ المؤلف بتبسيط مفهوم نظرية التطور مُنطلقًا من مقولة العالم داروين "قشرة الأرض هي متحفٌ ضخم"، وهذه تمامًا وظيفة السجل الأحفوري الذي يعكف العلماء على تتبُّعه بواسطة البحث عن المستحاثَّات والأحافير وترتيبِها من الأقدم إلى الأحدث اعتمادًا على تقنية النشاط الإشعاعي. وما يجعل من هذا الكتاب فريدًا من نوعه في هذا المجال هو بساطة الطـرح لموضوعٍ كان في غاية التعقيد عند الناس، إضافة إلى الاستشهاد بتجارب علماء أحياء وطبيعة كانت لهم جهود كبيرة سبقت أو عاصرت دارون مثل كارل لينوس وألفريد رسل، أو من العلماء الذين أضافوا لاحقًا الكثير إلى نظرية التطور مثل جون ويلز وأستاذ علم التشريح في جامعة Witwatersrand جنوب أفريقيا رايموند دارت (مُكتشف أعظم أحفورة في القرن العشرين). يشرح الكتاب مفهوم الأعضاء الأثرية؛ وهو الذي يُركِّز على وجود أدلة على التطور عن طريق فقدان بعض الأنواع الحية حاجتها إلى جزء من أعضائها؛ كوجود عضلة في رقبة الإنسان كانت لها -فيما مضى- مهمة تحريك الأذنين وهي التي لا تزال تعمل نادرًا عند بعض البشر اليوم. ويتطرَّق أيضًا إلى مفهوم "التأسّل/السمات السلفية"؛ وهي ظاهرة نادرة تتمثَّل بولادة كائن حي على شكلٍ يُعدُّ شاذًّا عما هو عليه أقرانه الآن من النوع نفسه؛ ولكنه في الحقيقة استعادة صفة جينية أقصاها الانتخاب الطبيعي عبر الأجيال. ثم يُعرِّج الكاتب بأسلوب شيِّقٍ على مفهومَي "علم الأجنَّة" و"التصميم السيء"؛ وهي نظرية تقول بأن وجود تصميم سيء في بِنية الكائنات الحية على نحو مُتفاوت يُدلِّل على عدم وجود تدخُّل هندسي في تكوينها. "إن تدريس علم الأحياء جنبًا إلى جنب مع نظرية الخلق هو كتعليم السحر والعرافة إلى جانب الطب". هكذا يُوظِّف كُويـْن عددًا من الأمثلة والقصص القصيرة في الكتاب ليُعطي نوعًا من التشويق للقارئ في أثناء التعامل مع أفكار علمية مجرَّدة مثل الجغرافية الحيوية والجرف القاريّ والتطور التقاربيّ؛ وهو المفهوم الذي شرحه الكاتب في الفصل الرابع مُبرهنًا عن طريقه على ثلاثة من أجزاء نظرية التطور. وفي فصل "آلة التطوّر"؛ توسَّع في مفهوم الانتخاب الطبيعي وعمد إلى إزالة اللَّبْس الشائع عن ارتباط هذا المفهوم بالصدفة عن طريق التدرُّج في شرح مراحله والشروط التي يتطلَّب توافرها، وميَّز بينه وبين عملية "الإنجراف الجيني"، ثم إنه استخدم عمليةَ الانتخاب الطبيعي في تفسير تطوُّر العين؛ مُستندًا إلى ما قدَّمه العالمان "نيلسون وبيلج" في دراسة نُشرت في مجلة Royal society عام 1994، بهدف تقدير كمية الزمن التي استغرقتها العين للتطور لما هي عليه الآن، وهي التي جاءت لتعزز فرضيَّات داروين عن دور الانتخاب الطبيعي في ذلك. الدراسة: هنا ويُخصِّص الكاتب فصلًا عن قيادة الجنس عملية التطور عن طريق "الانتخاب الجنسي"؛ وهي زيادة فرصة الفرد في الحصول على شريك جنسي بواسطة التخلِّي عن فائدةٍ ما لصالح التكاثر. ولكن كل ما سبق -عن أهميته- ما هو إلا بداية الرحلة الشيِّقة مع هذا الكتاب. فعندما تصل إلى الفصل الثامن منه ستجتاحك موجةٌ من الإثارة تبدأ مع السطر الأول في هذا الفصل وهو الذي ستتعرف فيه إلى "الحلقة المفقودة" التي أيَّدت نظريات داروين ومقارنات بين خمسةَ عشر نوعًا بشريًّا سُمِّيت ممَّن تحدَّروا في سبعة ملايين سنة، مع اختلافات مُتفاوتة في تطورهم. ثم يُعيدنا مليونَي سنة إلى الوراء من أجل التعرف إلى أول أنواع البشر الناطقة، مرورًا بالقصة الكاملة لاكتشاف المستحاثَّة الأشهر "لوسي" في أثيوبيا عام 1974؛ وهي التي شكَّلت ثورة في نظرية التطور وعُدَّت "جدة البشر" عقودًا. ويُوضِّح كُويْن في نهاية هذا الفصل الاختلافات الجينيةَ بين البشر والشمبانزي، ثم التباين الجيني بين أجناس البشر أنفسهم والناتج عن الانتخاب الجنسي. وفي الفصل الأخير؛ أعاد الكاتب تصويب الأنظار نحو هدفه، وهو تبنِّي نظرية التطور بوصفها حقيقة، فيقول: "بما أنك قد قرأت وصولًا إلى هنا؛ فإني آمل أنك قد اقتنعت بأن التطور هو أكثر بكثير من مجرد فرضية علمية؛ إنه حقيقة علمية". ويُركِّز كُويْن في هذا الفصل على تطور سلوكيات البشر واحتمالية أنَّ القيمَ والتصرفات البشرية عُرضةٌ للتطور والانتخاب الطبيعي أيضًا. وتطرُّق الكاتب إلى هذا الجزء بالذات نابعٌ أساسًا من قناعاته بأن رفضَ الناس نظرية التطور مردُّه غالبًا إلى الخوف من انهيار الأخلاق، وأن منظومة السلوكيات التي اكتُسبت عبر آلاف السنين هي قُدسية إلهية، وليس رفضَهم فكرة الانحدار من القرود العليا. "ولكن يوجد هناك شيء أكثر روعة؛ وهو أننا الكائن الوحيد الذي قد أورثه الانتخاب الطبيعي دماغًا مُعقدًا على نحو كافٍ لإدراك القوانين التي تحكم الكون وكيف أتينا إلى الوجود". بهذه العبارة لخَّص جيري كُويْن تطلُّعاته إلى هذا الكتاب، وهو الذي يحتوي مُلحقًا بتعريفات المصطلحات العلمية ورسوم توضيحية ومراجع إلكترونية يمكن زيارتها لمعرفة المزيد عن الأمثلة التي وردت في الكتاب.